السبت، 8 مارس 2008

الموانئ وأرصفتها



في رجاء الحبال والمنصات والمرافئ الشائخة

" أيها القلب .. استمع لأغنية البحارة "
-ستيفان مالارميه-

البصرة - د.جمال حسين علي:

الحروب والحصار طوحت بالرافعات ودمرت الحفارات وأنهكت الأرصفة ونواصيها وقطعت الحبال ووميض السفن المبتهجة بالوصول الى اليابسة.وخطط النهوض بواقع الموانئ العراقية طموحة للغاية وتحتاج الى أموال طائلة وخبرات موجودة للإرث الكبير الذي يمتلكه العاملون في شركة الموانئ العراقيةِ وبدون تدوين أرقام، يسعى المعنيون لشق البحر وتطويع لمرساة وتناول السلع من البحر كونها أرخص وأكثر جدوى من الطرق البرية، غير السالكة في أحيان كثيرة.وبذلك، يعد إحياء الموانئ العراقية وبناء المشروع الحلم الذي أسموه ميناء العراق الكبير مقدمة من شأنها إطلاق العراق مجددا من زواياه المركونة صوب الاتجاهات كلها ليختال عمال مينائه في يوم ما بأصوات البواخر المودعة.الموانئ العراقية تأسست كشركة قبل إعلان الدولة العراقية المعاصرة بعام واحد، وتخصصت بتنفيذ كافة الإجراءات المتعلقة بالشحن والتفريغ والتحميل لكل شيء يدخل الى العراق عبر منفذه البحري الوحيد في البصرة.بداية اختار الإنكليز المعقل كميناء رئيسي وكمكان يسكنون فيه، لذلك تميزت هذه المنطقة عن سواها بالأناقة والترتيب على الطريقة الإنكليزية وكانت الحياة تسير هناك، كما لو كانت في أي مدينة بريطانية. ويعمل في الموانئ العراقية جيش من الموظفين والعمال والمهندسين ومرشدي البواخر والمشرفين على الممرات البحرية ومختصين بالصيانة وإداريي الرافعات والساحبات والحفارات.
أم قصر
واتسع الميناء الوحيد الذي كان يدير العراق ويطعمه من أرصفة ثلاثة في المعقل، ليحول جزءا كبيرا من الساحل البحري في أم قصر الى ميناء كبير فيه 22 رصيفا ضخما، واحد منها متخصص لنقل الكبريت وآخر للحبوب ورصيف للزيوت بينما تتخصص الأرصفة الأخرى للبضائع العامة وتستوعب في الوقت نفسه 52 ألف طن ويمتد عبر خور عبد الله.وثمة خطط أميركية لتطوير هذا الميناء بالاتفاق مع شركة 'بكتل' ووكالة التنمية العالمية الأميركية للقيام بحفر وتصليح واعمار الميناء.تجدر الإشارة الى أن هذا الميناء يكاد يكون الوحيد الذي لم يتعرض الى تدمير لأن القوات البريطانية سيطرت وحافظت عليه لتأمين وصول امداداتها عبر البحر.
موانئ النفط
تتبع موانئ البضاعة والسلع لوزارة المواصلات، وهي ليست الموانئ الخاصة بتصدير النفط التابعة لوزارة النفط، مثل ميناء البكر الذي يطلقون عليه الآن اسم البصرة والميناء العميق (مدمر كليا) وهما عبارة عن منصتين متخصصتين باستقبال ناقلات النفط فقط ويقعان في الخليج. وقد تعرضت المنصتان المذكورتان لأضرار بالغة، حيث كانتا مسرحا لمعارك بحرية ـ جوية خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية، ناهيك عما حصل لهما خلال الحروب التي تلتها.
خور الزبير
أول ميناء عمل بعد سقوط النظام وافتتح مطلع عام 2004 باستقبال باخرة سنغافورية وأخرى بنمية. والسبب في تأخر العمل بالموانئ العراقية، لا يعود للأضرار التي تعرضت لها، فقد أبعد الحلفاء نيرانهم عن الموانئ البحرية في حربهم الأخيرة لغاية في أنفسهمِ التأخير انحصر في إصرار القوات العسكرية الأجنبية على البقاء في الموانئ وإدارتها لعملياتهم الخاصة. وبعد مفاوضات طويلة أعادوا ميناء خور الزبير ومن ثم سلموا ميناء أم قصر لشركة الموانئ، التي يؤكد المسؤولون فيها بأنهم لم يحظوا بأي دعم من الحلفاء ولا من مجلس الإعمار ولا المانحينِ وكل ما حصلوا عليه وعود وأوراق واجتماعات طويلة.وعلى هذا الأساس فإن ما حصل من تدبير لشؤون الموانئ، كان بجهود ذاتية وما تمتلكه الشركة من إمكانات محدودة تعتمد أساسا على عائدات الموانئ نفسها.ويختص هذا الميناء بتصريف منتجات معامل الأسمدة والحديد والصلب والبتروكيميائيات والفوسفات.
ميناء المعقل
وهو الميناء العراقي الأول، مقفل ومعطل العمل فيه منذ سبتمبر 1980 بعدما أوقفت الحرب العراقية ـ الإيرانية الملاحة في شط العربِ لكن ما تلاها من أعمال نهب بعد سقوط النظام، جعل البعض يفترس ميناء المعقل ويقوم بنقل محتوياته بما في ذلك قطع بحرية كاملة، الى إيران. وسرقت حفارة ضخمة اسمها 'النصر' وأخرى اسمها 'الموصل' وهما في طريقهما من ميناء المعقل الى ميناء أم قصر وهربتا الى إيران أيضاِ ولم تنفع المطالبات العراقية في استرجاعهما. وخصص البريطانيون 7 ملايين دولار لإصلاح الميناء ومعداته وانتشال ما غرق فيه وإنشاء المخازن وغيرها. ويمكن استغلال هذا الميناء لاستقبال السفن قليلة الغاطس كما كانت حاله سابقا للتقليل من الضغط على ميناء أم قصر. ولكونه متوقفا عن العمل الآن والسبعة ملايين دولار لا تكفي لإعادة تأهيله، فقد تم تأجير مبانيه لتكونمقرا ل 'منظمات إنسانية' ويدفعون من أرباحها رواتب المتقاعدين.
خطة يابانية
ولعل أكثر العروض جدية لانتشال واقع الموانئ العراقية المتدهور، تلك العروض التي قدمتها شركات يابانية وضعت فيها خطة شاملة للتطوير بسقف مالي قدره مليار دولار، ينمون من خلالها القطاع البحري العراقي برمته، بما في ذلك تزويدها بالزوارق والرافعات والساحبات وبناء أرصفة حديثة ومخازن متطورة.
شروط عراقية
تنحصر في أن يكون كافة العاملين في مشاريع التطوير من الموظفين العراقيين من دون الاعتماد على العمالة الأجنبيةِ ويفرض الطرف العراقي وضع خطة تفصيلية بعيدة المدى ترفع من مستوى الموانئ العراقية لتضعها في مجال منافسة موانئ الشرق الأوسط. وتقدمت إيران وتركيا وسوريا بمثل هذه الخطط حيث يقول المسؤولون في شركة الموانئ انهم بصدد دراستها.
الميناء الكبير
يجري التخطيط لإنشاء 'ميناء العراق الكبير' في منطقة الفاو يضم 50 رصيفا لاستقبال البواخر الكبيرة جدا. وتفاصيل هذا المشروع، الذي يفترض أن يقضي على الفوضى في الموانئ الصغيرة، أنجزتِ وتعتزم الحكومة العراقية تنفيذه 'مهما كلف من ثمن'ِ ويطمح المخططون له، الخروج الى الخليج واستثمار منطقة 'رأس البيشة'، تمثل الاتجاه العراقي الأعلى في الخليج.
وسيمتد الميناء على مسافة 20 كيلومترا تضم الى جانب الأرصفة الخمسين، مخازن كبيرة وساحات تفريغ البضائع ومباني للجمارك والحدود والجوازات ومطاعم وغيرها. ويجري التخطيط أيضا لربط الميناء بطرق برية سريعة وسكك حديد مع دول الجوار علاوة على إنشاء مطار دولي ومنطقة للتجارة الحرة ومرافق سكنية ومدينة سياحية. وإذا قدر لهذا المشروع ان يرى النور، فانه سيحول منطقة مهملة ومتروكة على مر العصور الى أهم قطعة تؤثر بشكل فاعل في تطوير التجارة والاقتصاد في البلادِ وستنهض البصرة مجددا وستنشط فيها الحركةالتجارية والسياحية والمالية وستؤمن العمل للآلاف من مواطنيها.واستغلال شواطئ الفاو من الناحية الفنية له إيجابيات كثيرة أخرى، فهي ستختصر المسافة على البواخر التي كانت تضطر لقطعها للوصول الى أرصفة أم قصر وخور الزبير، كذلك لا تحتاج هذه البقعة لكثير من الحفر، فعمقها يتجاوز أعماق الميناءين المذكورين بكثير وستحرر العراق من خطوط التالوك والمعاهداتالمتعلقة به والتي قيدت نشاطه البحري لسنوات طويلة. وستبلغ مساحة الميناء 30 مليون متر مربع محصورة في الساحل الغربي لشبه جزيرة الفاو ورأس البيشة.وتدرس جهات عديدة منها المركز الوطني للمختبرات والبحوث الإنشائية ومختبر الفحص الإنشائي التابعان للشركة العامة للموانئ ومركز علوم البحر والمركز الاستشاري الهندسي التابعان لجامعة البصرة المسائل الهيدروغرافية والطوبوغرافية والظروف المناخية وسرعة الرياح والتيارات المائية وارتفاع الأمواج وعمليات المد والجزر.