الاثنين، 10 مارس 2008

في مطارات كردستان


لماذا لا تنزل القوات الأميركية. في كردستان مباشرة دون المرور في تركيا؟
المطارات يمكنها استقبال أكبر الطائرات الحربية الأميركية وبلا مقابل


كردستان - د. جمال حسين علي:


عندما تجد أربيل خلف ظهرك وتكون بمقابلة عين كاوة، انحرف يسارا نحو الحقول الشاسعة، ليس لتذكر الخضرة الممتدة نحو انحدار الشمس، بل لرسم صورة المدرج الممتد حسب المواصفات العالمية، في ضواحي المدينة التي يسكنها الدوليون أكثر من المحليينِ تنحدر الأرض بسخاء السهول ممسكة في مذبح الإقليم المحروم من البحر وأي اتصال خارجيِ هي ذي السماء إذن تفتح ذراعيها للذي يأتي ولا يأتيِلم يكن النظام العراقي الذي شق هذا المدرج الطويل في مطار عين كاوة العسكري الذي كان يستقبل يومياربع القوة الجوية العراقية، يتوقع أنه في يوم ما، لربيع متدفق بالأعاجيب والمفاجئات، أن تسرح فيهطائرات غريبة التصنيف، لتوقظ آخر النائمين في البلدة المنسية، والأكثر سلاما، والمتحدة الآذانوالأجراس.
جولة ليست حرة
الطريق مقطوع، ما ان تخالف قدماك خطوات الجميع انحدارا نحو تخوم السهول المريبةِ ثمة حراسات تواصل الليل بالنهار، وأعين تغلف الأعينِ لكن الوضع سيختلف بالمرة، عندما يكون تجوالك في المطارات التي يمكن أن يقدر لها تغيير التكتيك المرسوم، برفقة نائب محافظ أربيل. رحلة سلسة بدأت بتحديق نسوة يشرعن بالبكاء، أو أخريات خرجن من الصلاة توا ويحملن حمرة خجل عروس نضرة.مرتاعا، بين تلك النظرات، والتعطش لرؤية آخر المطارات المحترمة، تلقفك المدرج الذي مده حظه العاثر لرسم الصورة الأخيرة للطاووسِ بين هذا الرقم وذاك، وخلال تفحص الذاكرة وعصرها، لم نستقر مع رفيقي على رقم محدد لطول المطارِ اقترحت أن نقيسه بنفسناِ وهكذا انطلقنا من المتر الأول حتى الأخير لنترك عداد السيارة يؤشر لنا بالرقم المطلوب حتى تأكدنا من أن طوله 2800 مترا وعرضه نحو 50 مترا، فهو يمتلك المواصفات المطلوبة لهبوط أكبر الطائرات الحربية الأميركية وغيرها ويصلح لاستقبال طائرات النقل الضخمة، وثمة مدارج فرعية لاستقرار طائرات أخرى. ما يحتاجه، عدد من بروجكترات الإضاءة، وتنظيف على السريع وبعض الكابينات المنقولة وعدد من سياراتالجيب العجيبة التي تحتوي على آخر صيحات الاتصالات.
استطلاع تركي
في غضون فحصنا وقياسنا للمطار، اخترقت السهول ثلاث سيارات جيب تابعة لقوات 'حفظ السلام' التركية. استطعنا تصويرها بالقدر الذي سمحت به العدسةِ لكن الأهم مما رأته العين وسجلته العدسة، السؤال المقبول: ما الذي يفعله الأتراك في مطار عين كاوة ؟هي عملية استطلاع ضرورية لدراسة وضع المطارات في كردستان ومعرفة صلاحيتها والظروف المحيطة بها، وهل أن الأكراد جهزوها لاستقبال الطائرات الأميركية، وما الذي تحتاجه هذه المطارات لاستقبال الطائرات الأميركية وهل يمكن استغلالها لاستقبال طائرات تركية، فيما لو قررت تركيا الدخول في كردستان، وكم من الوقت يحتاجه الأكراد لصيانتها وإعدادها، وهل توجد مؤشرات على أن الولايات المتحدة تبحث عن البديل وليس في نيتها انتظار موافقة البرلمان التركي للسماح بدخول قواتها الأراضي العراقية عن طريق تركيا، وما هي فرص نجاح هذه المطارات في التعويض عن القواعد الأميركية في تركيا الآن وفي الوقت الذي ستصبح فيه أميركا صاحبة البيت في العراق ِِ؟هذه الأسئلة وغيرها، كان يحملها الذين تقلهم سيارات الجيب الموضحة في الصورة، وكان لابد من الإجابة عليها فوراِ وبغير ذلك، ما الذي يمكن أن تفعله قوات لحفظ السلام في مطار منطقة ذات سيادة تريد حفظ السلام فيها؟
بعيدا في حرير
ومع تعاظم أكداس متماثلة من الجبال تحتفظ بالقدر نفسه من الصفاء والغموض، يختصر نزوتها وتعاليها سهل حرير، ذلك المكان الذي اختاره العراقيون ليكون مطارا قريبا من الجبهة مع إيران في مناطق بنجوين وحاج عمران وعمقا نحو ديزفول. تطل على مطار حرير أغرب قمة جبل في العالم هي قمة كورك المسطحة والتي تحولت الى مهبط للمروحيات. في هذه اللحظات يسكن الأميركان هناك، ثلوج كليمنجارو أخرى يخطها أميركي تجاوز الخمسين، ليصنع من الاكتساح غير الودي للرياح الباردة، ملاجئ ومراكز إنذار، قد تلعب الآن وليس غدا، دورها في تنظيف البلاد من الطغاة. من قمة كورك سيطلون على بغداد ليجعل عدد من الغرباء والزائرين الوقتيين الموت أهون بكثير من الحياة للذي تصور أنه ملك الطقس والرياح والقمرِيمتد مدرج مطار حرير بطول قدره 2600 مترا وعرض لا يتجاوز 40 مترا، وهو كاف بدوره لهبوط أو تحليق عتاة الطائرات الحديثة والثقيلة. وعمل الأميركان به أكثر مما فعلوا بمطار عين كاوة، ربما لأنه بعيد عن الأحياء السكنية، ولأن المطار الأخير لا يحتاج الى أكثر من يومين للعمل المتواصل ليخرج بهيا.
مطار بامرني
أسسه العراقيون ليشرف على السن الذي يربط العراق بتركيا وإيرانِ وكان المهندسون العراقيون على حق تماما، فمكانه استراتيجي، وشكله محلي. لم يشأ العراقيون منحه أكثر مما تستحق الضرورة، ولأن الجبهة الإيرانية كانت الأكثر كسلا في تلك المنطقة وتركيا صديقة ولعلها حليفة في تلك الحرب، فقد صممه العراقيون ك 'مطار جيب' لتأدية مهام طوارئ ليست مهام عسكرية - استراتيجيةِولأنه قريب على الأتراك ويفيدهم لتعقب مقاتلي حزب العمال الكردستاني، فقد أحاطوه منذ تلك الليلة الموحشة الأولى التي جربوا حظهم للمرة الأولى باجتياح أراضي الجيران المشاكسين، وبقوا فيه بشكل نسبيِ وهو من الناحية العسكرية ساقط بيدهم، ولكن الأكراد ما زالوا يسيطرون عليه، ولا يعتقد عسكري
ضليع بأهميته للقوات الأميركية ، وينطبق الأمر نفسه على مطار السلام في السليمانية.
لماذا لا يأتون؟
بعد هذا الاستعراض الموجز، لابد من التساؤل عن دوافع الضجة القائمة الآن والخاصة بدخول القوات الأميركية عن طريق تركيا، وتحفظها عن الدخول مباشرة في كردستان التي تفتح أراضيها لهم وبكامل الحرية والتسهيلات وبسعر أقل بكثير جدا من التعريفة التركية. ولكي نتجاوز المسائل الخاصة بالعلاقات التركية - الكردية لتعقديها الشديد بالرغم من أنها تلعب دورا قد يكون حاسما في رسم الموقف الأميركي من السؤال المطروح أعلاه، لابد من التوقف كما فعلنا في المسائل الفنية، وطرح الجانب السياسي - الاستراتيجي في الموقف الأميركيِ باختصار، وحسب خبراء في هذا المجال، تحتاج الولايات المتحدة الى تركيا ليس كونها مهبطا لطائراتها فقط، بل تحتاج لكل عمقها السياسي والاستراتيجي في التحالف الدولي الذي تطمح في تشكيله لمواجهة النظام العراقي وربما أنظمة لاحقة. وتحتاج دورها في رسم صورة 'عراق المستقبل' كما يسمونه وتحتاج تحالفها كدولة مسلمة وحليفة في الناتووشريكة استراتيجية لإسرائيلِ والولايات المتحدة 'أم التوازنات الاستراتيجية' كما علمتنا الدروس الماضية وتدرك أن شنها حربا فيها بعض الغموض الكريه بدون تركيا، ستصاحبه مشاكل جيوبوليتيكية وتعبوية لا حصر لها، نتركها لمحللين أقدر منا لتعقبها.