السبت، 8 مارس 2008

جدولة الحاجات والادعاءات





في مراجعات القيل والقال


البصرة - د.جمال حسين علي:


غدا، أو بعد غد، وربما قريبا، ولعله سيأتي أو لا يأتي، في رجاء المطالبات وتنشيف المتاعب بحمد الادعاءات فيما سيكون أو لا يكون، تئن البصرة للغاية من الجملة وأسبابها وكان ومثيلاتها، وفاعل محسوب على الذي ضمه بلا رجعة ومفعول نصبوه بشرك التيمم إن فقد الماء من مدينة الأنهر وبندقية الشرق، بتعفف الذين صابروا وسامروا وسامحوا كثيرا لغاية اللقاء الموعود بين الضمير المستتر عن حفرها وجسورها المتهالكة والغائب عن معجون ثمارها حين يصدر أمام جياعها والمخاطب ما أن يلح بالسؤال تلو التوسل فيما قلتم وفعلتم وصرختم وعملتم وشتمتم وبنيتم، لهذه الحلوة المثخنة بالألم والمودة، كمركبها وصبيتها الغامضة، حافية تذرع البصرة دروب الزمن، طافحة بالقيظ والذباب والملاريا والتلوث بأشكالها رغما عنشطها العريض الطويل ونخلاتها الملايين، ودمعها وزرعها ومصانعها الكبار وما يقدمها على البشر أجمعين بترولها الذي لم يمسسه بصراوي لا في يده ولا في أنفه ولا في قلبه ولا أضعف الإيمان. لننزل لمستوى القيل عنها والقال عنهم، تفكيك لشفرة الواقع والحال والمحال، ببرق أصداف الوعود إن كذبت والمراسيم إن جفت والسواد حين يسخم الوجوه ببدعة التهليل للذي سيأتي، ولعله لدهور من الانتظار لا يأتي.. ما أن يمل أطفال البصرة من البحث عن دماهم في ساحات القمامة، يشعلها الكبار نارا، وهكذا يوميا تسيردورة الزبالة التي تتسع لتغطي المدينة من كل حدب.. اختفى'أبو الزبالة' تماما وغابت سيارات البلدية وتحولت المدينة الى محرق لأكوام القاذورات واستبدلالزمن حدائق وخضرة أيام زمان باشتعال الريح وترطيب الغبار بما كسبت أيديهم وما ذرت أكياسهم وقواطيهم وكراتينهم وما نبضت عنه أفئدتهم المسمرة بساحة واحدة بلا زبالة.
بحيرات المساء
والمجاري تسير في كل الأرض تحتها، عدا في البصرة فهي تنمو على سطح الأرض وتتمشى مع الخلقِ وثمة أحياء كاملة يسكنها مئات الآلاف يعيشون مع مجاريهم منذ أكثر من خمسة عشر عاما وخاصة في القبلة والحيانية وصبخة العرب والعالية والأصمعي وخمسة ميل وغيرها من التي لم نجد ضرورة للمرور بها، ما الذي تفعله مؤسسات دولة شعبها يمشي على المجاري والمياه الفظيعة القذارة ويتنفس في حياته وخلوته ومنامه وصحوه دخان زبالته؟!قال لنا مدير المجاري انه لا توجد لديه سيارات لسحب المجاري ..
قلنا له ان الحل ليس بالسيارات التي تسحب المجاري، فالبصرة لا تكفيها آلاف من هذه السيارات فكلها عائمة على القذارةِ وحتى لو توفرت هذه السيارات، ستقول بأنك لا تملك البنزين لتشغيلها، وإن توفر فستقول بأنه لا يوجد لديك سواق وان توفر كل شيء ستدين العمليات الإرهابية في الموصل لأنها أعاقت سحب مجاري البصرة!
جسور الموت
الجسر الذي بنته هندسة الفيلق السابع أيام الحرب الطويلة مع إيران لإيصال البصرة بالعالم الآخر في التنومة، يتسع لدبابة واحدة تذهب ولا تؤوب، فالدبابة التي تعقد العزم للذهاب الى الحرب لا ترجع كما جرت أعراف الحروب الصدامية، لم يبنه أحد لأهل البصرة والكتيبة بنته للواء واللواء أخبر الفرقة والفرقة منحته للفيلق، وعندما حصل الذي صار، بقى الجسر وهو عسكري مؤقت، لخمسة عشر عاماِ ولا يوجد أي متفائل توقع صموده هذه المدة، حتى أولئك الذين سقطوا منه في عرض الشط وماتوا غرقا لأن أمتارا بأكملها فيه اختفت أو أعوج صفيحها أو طارت فحسبهذا واقع جسر استراتيجي يربط البصرة بإيران، فكيف حال الجسر الذي يربط البصرة بأبي الخصيب، وهو لا يقل استراتيجية كون ميناء أبو الفلوس حيث يصدرون النفط ويهربون معظمه يقع على مساره، فهو الآخر صغير مسكين يتسع لعبور سيارة واحدة على الحظ، فإما تعبر أو تسرح من بين الكسور فيه لتلاقي حتفهاِوجسر الكزيزة الاستراتيجي الرهيب الذي تصدر نشرات الأنباء أوقات الحرب، فقد ضربه المحتلون ولم يصلحوه حتى هذه اللحظة، لأنهم ببساطة لا يحتاجون الى جسور، لأنهم يطيرون!أما جسور البصرة القديمة على شط البصرة فحالها كما تركناها، ولن يصلحها احد على الأرجح، لأن الشط لم يعد شطا ولا نهرا ولا جدولا ولا نهيرا، هو مجرى المجاري ومأوى الإطارات والقمامة، فالذي سيقع به الجسر لا يغرق، بل يتقافز على الإطارات مثل السيرك، من غير الممكن أن مديرية الطرق والجسور لا تعرف عم يدور الحديث، والقوات التي بدأت جنسياتها تقل غير مغتمة بالتأكيد لرداءة الجو، فهي تستريح في براد الشعيبة ومطار البصرة وموانئ السعادة.
الأقوال بدأت
حسب مدير بلدية البصرة ماجد مناتي فإن تنظيف البصرة يحتاج 254 مليار دينار خصصوا له منها آخر رقم فقط: أي 4 مليارات لا غير، وهذا سينظف به المناطق المحيطة بمديريته فقطِ فكيف بتلال نظران والصبخة الكبيرة ومحلة الباشا وجسر الغربان ومنتزه (!) لبنان الذي تحول الى محرقة للقمامة. يقول المدير انهم سيكسون الشوارع المؤدية الى ' أم البروم' وشوراع التنومة وسيسقون الجزرات الوسطيةوالحدائق العامة تحت شعار نهديكم صورته: 'من اجل بصرة أنظف'! ويقول ان لديهم مشاريع لتنظيف الكورنيش وزراعة المنطقة وبناء المصاطب بدل التماثيل المحطمة. سيردمون المستنقعات التي ظهرت في مركز المدينة حسب مشاريع الطمر الصحي التي أقرتها الوزارة مشكورة وسيحملون النفايات كلها ليلقوا بها خلف شط العرب (!)وأخيرا وجه المدير عتبه الشديد على الأطفال لأنهم يحرقون الزبالة (التي تغطي بيوتهم) ونصحهم بان هذا التصرف سيلوث الهواء وطالبهم بانتظار تنفيذ قرارات الطمر!
مشاريع الإنكليز
صمموا شيئا ما أطلقوا عليه' فريق التعاون العسكري - المدني' لا يوحي اسمه بشيء ولم نفهم منه سوى أن القوات المتعددة الجنسية (البريطانية في حالتنا) ابتكرت هذه الهيئة لكي ينفذوا مشاريع ما في البصرة، وربما وهو أمر لا يمكن أن نستبعده يحذون حذو 'أورها' أو 'مجلس إعمار العراق' الذي تخصص بإشراف إدارةالمنقول بريمر بسرقة العراق. بعد مشاورة سريعة مع مهندس فاهم للعبة، تبين أن شكوكنا في محلها وفلوسنا في جيبهمِ فمثلا، أن قائد الفريق الإنكليزي قال انه 'ينسق أعمال الفريق مع القادة الدينيين'. هذه أول خطوة مشكوك في نجاحها، فلو قال انه يعمل مع مهندسي المدينة أو كذا شيء مشابه لبلعناها من الإنكليزي، لكن ما الذي يستطيع أن يفعله 'القادة الدينيون' لفريق التعاون من 'أجل بصرة أنظف'؟! فلينسقوا مع الملالي والسادة حتى مع الدراويش، لكنهم لم يضعوا قطعة صفيح واحدة على' الجسور الاستراتيجية' طوال سنتين حيث لم تشتهر البصرة بأعمال النهب والإرهاب، فما الذي أعاقهم طوال 24 شهرا من عمر التحرير؟!زد على ذلك، هذا الفريق من مخلفات' الإدارة المدنية للتحالف' ولم يلغ بإلغاء المرجع الأعلى، وهذه نقطة نظام حقوقية لا أكثر. عموما يقول مدير الفريق انهم سينجزون 200 مشروع ضخم في البصرة وسيصلحون الكهرباء وشبكات المياه النقي وسيطورون الزراعة والصحة والتربيةِسينظف الفريق شوارع الحيانية والجمهورية وسيبلطون الطرق وسيستحدثون المنتزهات والأماكن الترفيهية ورياض الأطفال وسيصلحون أنابيب الصرف الصحي. وسيعيدون البصرة الى زمان الفتوحات بعد أن خصصوا الدولارات لحفر الآبار لتزويد أم قصر وصفوان بالمياه العذبة.
بانتظار الحر
أقبل الصيف مبكرا كعادته في البصرة دون أن يحلوا مشكلة الكهرباء ويقول مهندس مختص في الكهرباء ان المشكلة تنحصر في أن كل العقود السابقة والأموال صرفت على مواد الصيانة وليس على شراء مولدات جديدة. ومحطة الهارثة التي تزود البصرة والعراق عموما أكملت الخمسين من عمرها، مؤكدا على أنهم في مديريةكهرباء البصرة يسمعون الوعود فقط دون ان يتحقق منها شيء. مدير محطة كهرباء الهارثة عبد العزيز عاشور قال انه تم ربط المنطقة الوسطى والشمالية مع شبكة الجنوب لسد النقص في تلك المناطق، لذلك اضطروا الى قطع الكهرباء عن البصرة حسب المصطلح المؤلم 'القطع المبرمج'. كما ان الوقود لا يكفي المحطة التي تغذي البصرة ذات المصانع الكثيرة، أضف الى ذلك تهالك المعدات والأجهزة فكلها قديمة والأدوات الاحتياطية، حسب المدير، لا تتطابق مع هيكل المحطة ولا للمواصفات الفنية. وحول ربط كهرباء البصرة بالكويت، قال ان الأمر تعطل بسبب عدم وجود منظومة لنقل القدرة كالأبراج العالية التي تتحمل الضغط الفائق وتفاصيل فنية أخرى.
النفط لمدينة النفط
في أغسطس 2003 انتفضت البصرة بسبب انعدام الوقود التام ولشعور أهالي المدينة بأن من غير الممكن اختفاء البنزين والنفط والديزل والغاز السائل من المدينة التي تصدر للعالم، وتملك احتياطيا عالميا ضخما ولا تعرقل مسيرة عمل القطاع النفطي اي أعمال إرهابيةِ استمرت الانتفاضة ثلاثة أيام مظلمة حارة وصل فيها قالب الثلج الى 10 آلاف دينار. ومن ذلك التاريخ الذي أقنعوا الناس بالعودة بالقوة والوعود، لا تزال الطوابير قائمة للحصول على الوقود مع تماسك السوق السوداء التي فرضت تعريفتها. يعلم كل بصري - لأنهم يرون بأعينهم - كيف أن نفطهم وغازهم يهرب باللنجات الصغيرة الى البواخر التي تنتظر في عرض البحر وكذلك عن طريق ميناء أبو الفلوس، وإن توفر الوقود، بإحدى الطريقتين، فهو سيء للغاية ويسبب تعطيل السيارات بشكل مفاجئ وخاصة المستوردة التي لم تتعود على 'بنزين العراق'، فالعارفون بأمور السيارات قالوا ان هذه السيارات الجديدة تتعطل فجأة بسبب نوعية البنزين المحلي الذي يضخ بطريقة الاحتراق بآلية' البخ'ِ ولكون البنزين العراقي يحتوي على مخلفات ومواد ثقيلة مختلفة ليست لها علاقة بالوقود، فتؤدي الى تعطيل الكاربيريتر' ومن ثم احتراق المحرك.
مدينة الموارد
بالإضافة الى الاحتياطي النفطي الهائل الذي تملكه البصرة، فيها أهم مصافي النفط في البلاد ومصانع ضخمة كالحديد والصلب والبتروكيمياويات والأسمدة الكيميائية والورق، ناهيك عن موانئها العملاقة. ومدن الموارد عادة ما يتم التعامل معها على أساس مواردها، فإما حصولها على مواردها بالكامل على مدى سنوات لحين استكمال إنفاقها على بناها التحتية وبناء قاعدة قوية ومتوازنة مع مواردها، وإما تخصيص نسبة معينة من موارد المدينة للانفاق بصورة دائمة على مشاريع البنية التحتية بإضافة مشاريع تنموية كبرى لها، لكن الذي حصل - ومستمر للآن - تجاهل هذه القواعد، والمدينة عموما وإهمالها بشكل فظ، فإذا كان النظام السابق يهملها بشكل متعمد ومقصود، فالورثة لم يحلوا أيا من مشكلاتها ومعضلاتها التي أصبحت مزمنة، فلؤلؤة الخليج كما يطلقون على البصرة صدئة للغاية، وبحاجة الى عملية نهوض كبيرة، باتت أكثر ضرورة من أي وقت مضى، فالحال في المدينة لا تتحمل تخلفا أكثر مما هو موجود. علاوة على أن حال البصرة لا ينسجم مع جيرتها لمدن خليجية مبهرة، وهذا الفارق الشاسع له نتائجه وعقده وتأثيراته المبيدة، وستبعد المدينة كثيرا عن زمانها وحركة الإقليم برمته.