الأحد، 9 مارس 2008

مع السكرتير العام للـحزب الشيوعي العراقي




شقلاوة - د.جمال حسين علي:


التقينا حميد مجيد موسى (أبو داود) سكرتير عام اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في مقر المكتب السياسي للحزب في مدينة شقلاوة في كردستان العراق. وأجاب فيه عن جملة من الأسئلة والتساؤلات حول رؤية الحزب الشيوعي العراقي لمستقبل العراق بعد صدام والتغيرات التي طرأت على الحزب بعد انهيار المنظومة الاشتراكية ومستقبل عمله السياسي، وما طرأ عليه من تغييرات فكرية وسياسية. كما جرى النقاش حول موقف الحزب من عملية التغيير والدور الذي تلعبه المعارضة العراقية وموقف الحزب من الدعم الدولي والخارجي للإطاحة بالنظام العراقي. ويسلط هذا اللقاء الضوء على موقف الحزب الشيوعي من قضية الفدرالية والعلاقات المستقبلية في هذا الشأن. ووضح حميد موسى موقف الحزب من الكويت منذ عهد عبد الكريم قاسم وأثناء الغزو العراقي للكويت وما بعده، مشيرا الى رؤيته حول مستقبل العلاقات العراقية - الكويتية، ومعبرا عن أسفه لضعف العلاقة الحالية بين الكويت والمعارضة العراقية. وفيما يلي النص الكامل لهذا الحوار:
> للقارئ غير المطلع على أوضاع الحزب الشيوعي العراقي. هل توضحون لنا حالة الحزب من الناحية التنظيمية، لا سيما بعد ظهور الحزب الشيوعي الكردستاني من رحم حزبكم والتغيرات التي حصلت في هياكل قيادة الحزب الشيوعي العراقي في السنتين الأخيرتين؟
ـ الحزب الشيوعي العراقي أقدم حزب سياسي عراقي، تأسس عام 1934، وعمله متواصل منذ ذلك اليوم حتى الآن رغم كل التطورات والتغييرات التي عاشها البلد، لم يختف الحزب الشيوعي العراقي، بل بقي عنصرا أساسيا في الحركة السياسية العراقية والنضال ضد الحكومات الدكتاتورية والرجعية. وكان دائما وأبدا رافع لواء الوطنية والاستقلال والتحرر وعرف بأنه حزب الديموقراطية.
> هل تعتمدون على أنصاركم في كردستان وتنظيمات الخارج أم أن لديكم تنظيمات نشيطة داخل العراق؟
ـ هذا بيت القصيد، فالحزب الشيوعي العراقي يمثل في كل مدينة من مدن العراق، وهذه الحقيقة معروفة للأعداء قبل الأصدقاء.. لذلك النظام الدكتاتوري ناصب الحزب الشيوعي أشد العداء، هذا الحزب هو الحقيقة التي لن تغيب عن أذهان رجالات الأمن والاستخبارات للنظام فهو عدوهم المباشر والأساسي وهكذا يتعاملون ويتصرفون مع الحزب الشيوعي العراقي. وارتباطا بما سألت عن الحزب الشيوعي الكردستاني في العراق، فهذا الحزب لا يعتبر كما يشم من السؤال بأنه انفصال عن الحزب الشيوعي العراقي، فنحن في آخر المطاف يجمعنا كيان واحد شيوعي، وتوجد آلية تنظم العلاقات بين الحزب الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي الكردستاني. الحزب الشيوعي الكردستاني ظهر بإرادة الشيوعيين العراقيين عموما كردا وعربا وقوميات أخرى.
ما بعد الانهيار
> باختصار شديد، هل يمكن أن توضحوا لنا ما الذي حدث لكم بعد الهزة العنيفة التي تعرضت لها الأحزاب الشيوعية العالمية نهاية الثمانينات وبداية التسعينات؟
ـ اعتمدنا ما أسميناه بـ «الديموقراطية والتجديد» وعلى أساس هذا التوجه عقدنا المؤتمر الوطني الخامس وأجرينا تطبيقات في ضوء التجربة في كل ميادين عمل الحزب الفكرية والسياسية والتنظيمية والجماهيرية وفي خطابه السياسي، والكثير من الممارسات الخاطئة والأفكار البالية تم تجاوزها باعتماد جديد يجعل من الحزب قوة أكثر انفتاحا تنظيميا وسياسيا، وأكثر شفافية في علاقاته السياسية، وأكثر ديموقراطية في حياته الداخلية وفي علاقاته بما تسمح به الظروف بالنضال ضد الفاشية.
> لو حدث التغيير غدا في العراق وجرت انتخابات برلمانية حرة، هل تتوقعون حصولكم على أصوات تتناسب مع تاريخ الحزب ؟
ـ وهل يمكن النظر الى حزب بدون تاريخه وأمجاده؟ الآن بالنسبة إلينا ليست المهمة محصورة بالحصول على نسبة من الأصوات، المهم أن يتحقق العراق الديموقراطي الذي يتيح الفرصة للشيوعيين أن يمارسوا حريتهم وأهلا وسهلا بالنتائج.
> كيف تقيمون محاولات النظام باستدراج بعض كوادركم لغرض تشكيل حزب شيوعي عراقي صنيع؟
ـ هذه محاولات بائسة واجهت الفشل في كل تقليعاتها ومراحلها، لأن الشيوعيين العراقيين يعرفون كيف يتعاملون بمسؤولية عالية مع قضيتهم، ويمكنهم الصمود أمام هذه الأعمال والمحاولات المشبوهة والتخريبية التي لا تنطلي على الشيوعيين العراقيين وإرادتهم. لم ينجح النظام حتى الآن، وأنا أعرف لغاية قبل أيام كانت هناك مثل هذه المحاولات لكن مصيرها الفشل كسابقتها.
> كيف تشرحون وتحثون الأحزاب الشيوعية في العالم حول الوضع في العراق؟
ـ ثمة تعاطف جيد وتضامن على الرغم من محاولات التشويه وضعف الصلات، والوجود الفاسد للنظام العراقي ودوره في تشويه الحقائق، إلا أن أغلبية الذين نتصل بهم ونحضر فعاليتهم يعرفون حقيقة ما يجري في العراق ويميزون بأن النوايا الأميركية لشن حرب ضد صدام، لا تعني أبدا أن صدام معاد للإمبريالية. عموما، يبدون تعاطفا حقيقيا مع نضال الشعب العراقي من أجل الديموقراطية وضد الدكتاتورية ومن أجل رفع الحصار عن الشعب العراقي.
> لابد لي أن أقاطعك الآن. عملت طويلا في الساحة السوفيتية ولغاية هذه اللحظة فأنا قادم إليكم من موسكو وكمراقب متخصص أعرف بشكل كاف مواقف الأحزاب الشيوعية في روسيا والجمهوريات المستقلة وعلاقات العسل بينهم وبين النظام العراقي. وأعرف أكثر من 20 حزبا شيوعيا شرقيا يدعمون النظام العراقي للغاية وبينهم علاقات ودية، فهل يتضامنون معكم أمامكم ويعانقون صدام ومخابراته خلفكم؟
ـ لو ترجع الى حديثي، أنا قلت لك أحزابا. ولم أذكر لك من ضمنها هذه الأحزاب التي ذكرتها. والأحزاب التي ذكرتها هي القوى الأبرز في ساحة الحركة الشيوعية.
الحزب الشيوعي الروسي لدينا موقف إزاء سلوكه. وموقفنا معلن وليس سريا. واعتقد أدبيات وصحافة الحزب نشرت فيها مذكرات الانتقاد التي وجهها حزبنا لقيادة الحزب الشيوعي الروسي. الحزب الشيوعي في روسيا، الفدرالية لديه سياسة رسمية عامة كما يمثلها الرفيق زيوغانوف وأصدقاء النظام العراقي ويقومون بفعاليات بحجة أنهم ضد الأميركان واعتداء أميركا. لكننا نعتقد أن هذا يجافي الحقيقة. وفي الوقت نفسه لا يعني ذلك إطلاقا بأن الشيوعيين الروس أو القيادة الشيوعية الروسية توافق على نهج الرفيق زيوغانوف. لديهم أيضا تيار مؤثر ولدينا اتصال به ونعقد لقاءات مع ممثليهم في المؤتمرات والاجتماعات.
العامل الخارجي
> ما موقفكم من تطور الوضع العراقي الآن. انتم تعارضون أي دعم خارجي ولا توافقون على انقلاب ولا الاغتيال ولا استبدال شخص بآخر لا أريد القول دكتاتور كبير بصغير، إذن تريدون إحداث تغيير جذري داخل العراق. هذا لا يمكن أن يتحقق في ظروف سيطرة المؤسسة الفظيعة بكامل هياكلها وفي الوقت نفسه تعارضون الدعم الخارجي. يمكن أن يكون لديكم تفسير آخر ولكن هذا ما قرأته من تصريحاتكم الأخيرة؟
ـ هذا ليس موقف حزبنا.
> جئت بهذا الكلام من كراسات حزبكم التي أصدرتموها مؤخرا.
ـ لا، للأسف يبدو أن ثمة خطأ في العنوان. أولا، لا يرفض الحزب الشيوعي العراقي الدعم والإسناد والتضامن الدولي. ولكن يرفض التدخل الفج الذي يتجاهل مصالح الشعب العراقي. نعرف أن العامل الدولي الآن ضروري ولا يمكن تجاهله أو التعالي عليه، بل ان دور العامل الدولي في الآونة الأخيرة ازداد خصوصا فيما يتعلق بالقضية العراقية فهي قد دوّلت منذ احتلال الكويت بشكل لا يقبل التأويل والجدل.
> القرار 688 لم ينفذه أحد !
ـ من ينفذه؟ الأمم المتحدة.
> تعرف جيدا أن الأمم المتحدة ..
ـ وأنت تعرف أننا نرفع لواء تطبيق القرار 688 منذ ظهوره وبإلحاح فكيف تتصور أننا نرفض التدخل الدولي في حين نطالب بقرار 688؟
> فلنتحدث بصراحة، التدخل الدولي هو تدخل أميركي وأنتم ترفضون التدخل الأميركي ..
ـ وأنا أتحدث عن التدخل الأميركي ضمن التدخل الدولي. ويخطئ من يظن أن العالم هو فقط أميركا وهذه خطيئة سياسية والوقوع فيما تريده أميركا. الآن العامل الدولي أكبر من أميركا، صحيح أن أميركا القطب الأوحد والدولة الأكبر، غير أن ذلك لا يعني تهميش كل هذه الدول وكل هذه القوى في العالم في أوروبا واليابان والصين وروسيا ..نحن نعتبر من يريد تدخلا خارج هذا الإطار هو الخطأ. هنالك طريقتان للتعامل مع العامل الدولي: أن تتعامل معه وفق توافق المصالح، أي أن تحترم حقوق شعبك وأن تضمن مصالحه وبين أن تتعامل كالتابع اللاهث وراء العامل الخارجي، ثمة فرق كبير. بالتالي، ليس مقبولة التهمة بأن الحزب الشيوعي العراقي يرفض الإسناد والدعم الخارجي.
> هو سؤال صحفي وليس تهمة.
-كان سؤالك محترما. أنا أتحدث عن الآخرين، كون هذا الحديث يطرق في جرائد وحوارات ومقولات تركز على أن الحزب الشيوعي العراقي لا يريد الدعم الخارجي. الحزب الشيوعي يفهم ما يعنيه العامل الخارجي ولا يمكن أن يتجاهل العامل الدولي وبحاجة الى الإسناد والتضامن الدولي وفق القوانين والمواثيق ..
> لا يوجد ولا يمكن للأمم المتحدة إصدار قرار الإطاحة بالنظام ..
ـ ولماذا تنقل مهمة الإطاحة بالنظام من القوى العراقية الى الأمم المتحدة؟ سأنتقل الى الشق الثاني من السؤال لأؤكد على أن العامل الخارجي يجب أن يحترم إرادة الشعب العراقي ومصالحه. وسأعود لأجيب عن لماذا ضعف العامل الداخلي ولماذا المعارضة ضعيفة ولم تستطع التوحد، وما السبب، وهل يستطيع عراقي واحد الاقتناع بأسباب عدم تمكن المعارضة العراقية من التوحد وهل أن السبب داخلي فقط؟ ألم يكن ذلك جراء ضغط القوى الدولية وبعرقلة من الدول الإقليمية لوحدة المعارضة العراقية؟
> هل ستنفع النظام العراقي دبلوماسية الصفقات وتوظيفه احترام الأوروبيين للقانون الدولي واستخدامه عواطف الشارع العربي. والكثير هناك لا يميزون بين ضرب النظام وضرب العراق؟
ـ النظام بارع في مقايضة السياسة بالاقتصاد ورشوة الدول ولكن حتى لا ننقطع عن السابق، هذا لا يعني أن للنظام القدرة باللعب على مشاعر العالم وموقف الدول. مثلا، القرار 688 يدين النظام العراقي..
> ولكن هذا القرار لم يوظفه أحد ضد النظام؟
ـ لأنهم لا يريدون ..
> حتى الولايات المتحدة تذكرته مؤخرا ..
ـ بالضبط. أميركا لا تريد لأنها تريد أن تنفرد في تحقيق ما ترغب فيه من مصالح في العراق. تريد أن تحتكر العراق. الأمم المتحدة يمكن أن تقدم دعما جديا لإسقاط النظام عبر الشرعية الدولية. القرار 688 يتيح لك الفرصة لمواجهة النظام لعدم تطبيقه له. القرار يتحدث عن القمع وعن طرفين : المعارضة والنظام. يركضون وراء الأسلحة، لماذا لا يركضون وراء هذا القرار؟
> لماذا؟ هذا هو السؤال؟
ـ حتى تتأكد أن القضية ليست رفض الحزب الشيوعي للدعم الدولي. الحزب الشيوعي يرفض التفرد الأميركي في فرض هيمنته حتى على المعارضة العراقية.
> الولايات المتحدة هي التي طالبت بعقد المؤتمر الخاص بأفغانستان على خلفية أحداث 11 سبتمبر وحملتها العسكرية المعروفة .. ـ لا أعتقد أن أميركا خارج المجتمع الدولي ولكن في الحالة العراقية تريد أن تهرب من الشرعية الدولية.
> الولايات المتحدة حتى أثناء حربها مع صدام دعمته ولم تتخل عنه.
ـ عاش فمك.
> إذن لماذا الآن بعد 12 سنة تصاعدت الدعوات لإزاحته؟ ما الذي حدث؟
ـ يا عزيزي السياسة الأميركية تمر بأطوار ومراحل وليست حقيقة ثابتة. هناك ثوابت في السياسة الأميركية، لكن ثمة متغيرات تملي نفسها على الثوابت. العالم بعد 11 سبتمبر وكنا نشهد قبلها العولمة والصراع في إطارها بين أطرافها المختلفة ومكوناتها. فالعولمة تشترك بها كل الاحتكارات في العالم المتعددة الجنسية وهناك صراع في داخلها لأمركتها، أي بفرض الهيمنة الأميركية عليها. جاء 11 سبتمبر «الأكشر» وخلق ما خلق من انعطافة في السياسة الدولية وبالعلاقات الدولية وانفلتت أميركا مع ما عليها من انفلات الآن باسم الحرب ضد الإرهاب. وهي تريد أن تحقق ما سبق لها أن تبنته ولكن بأساليب أخرى: أمركة العالم. وهناك عملية لعسكرة العولمة واعتماد العسكرة كأداة لفرض الهيمنة الأميركية. الأوسط. لم يعد صدام كما كان أيام حرب الكويت بعبعا تفرض به مكاسب جراء بقائه واصبح عبئا عليها.
> الأمركة التي تحدثتم عنها ستفرض وجود قوات أميركية ولفترة طويلة في العراق، الأمر الذي لم يتعود عليه ولم يقبله الشعب العراقي. أنتم كحركة وطنية وتقدمية واشتراكية كيف ستتحملون وجود قوات أميركية لفترة طويلة في العراق؟
ـ هو احتلال وأنت تريد كما نقول بالعراقية وصفه «بنزاكة» بالقول البقاء لفترة طويلة للقوات الأميركية.
> استخدمت مصطلحات القرن الواحد والعشرين!
ـ (يضحك ) لا .. هو احتلال . سنتين .. خمسة، أمر مرفوض. إذا تابعت وثائقنا فلدينا استنتاجات. فالأسلوب الذي ستتم به عملية التغيير سيقرر طبيعة البديل. عندما يسقط صدام على يد الشعب العراقي وجبهة موحدة وبأيدي القوى الوطنية المسنودة دوليا بطريقة شرعية ستكون هناك ديموقراطية وتعددية وتنوع. وحينما يسقط بالقوة المسلحة المباشرة عبر الحرب الحديثة فلن تكون هناك ديموقراطية بل احتلال وإدارة عسكرية وهناك ما تراه اليوم في أفغانستان. وقرضاي اليوم يطلب قوات أميركية لحماية قصره وسيارته سرقوها من باب بيته. نحن كحزب سياسي دائما وأبدا ناضلنا ضد الاحتلال. بعض القوى العراقية تخطئ عندما تغلب العامل الدولي في التحرير على العامل الداخلي في إقامة البديل الديموقراطي. الكثير من القوى التي تعطي للأميركان الدور في إسقاط صدام لتسلم الدور فيما بعد للمعارضة سترى أن الحقيقة ليست هكذا وستناضل من أجل مغادرة القوات الأجنبية من العراق وفتح الفرصة للعراقيين. الحزب الشيوعي ليس بالضرورة أن يكون مساندا، وقد يكون معارضا ومعارضته حق مشروع وفق القانون الدولي ووفق كل المفاهيم، إلا إذا كانت ثمة قناعة بأن الأميركان سيذبحون الشيوعيين أيضا بعد صدام فهذا شيء آخر.
تهميش دور المعارضة
> ثمة رأي يقول بأن ليس للولايات المتحدة نية في إعطاء دور ما للمعارضة العراقية في عملية الإطاحة بصدام ما تعليقكم؟
ـ نعتقد أن الإدارة الأميركية منذ البداية لم تضع للمعارضة العراقية دورا في عملية تغيير صدام حسين بموجب قانونها ومشروعها الخاص. ومنذ سنوات أبلغت وفود تعول على العامل الخارجي بأن دور المعارضة العراقية هو فقط لما بعد إسقاط صدام. وأبلغوهم بأن دوركم لن يتعدى حدود الإعلام والدعاية والعمل السياسي الخارجي. هذه حقيقة ثابتة تنحصر في رغبتها في احتكار مكاسب التغيير في العراق. لا يفيد الأميركان مجيء المعارضة كشريك أساسي فاعل. فليس جوهر الموضوع التقاء وفد المعارضة الأخير بوجوه معروفة من الإدارة الأميركية ولن يغير منه. لأنهم في آخر المطاف كما جاء في إحدى الصحف فان الأميركان أبلغوا المعارضة بأنهم لن يسمحوا لها بالعمل المستقل خارج الخطة الأميركية. محرم على المعارضة العراقية القيام بانتفاضة أو ثورة ..الخ مسموح لها بالتحرك ضمن الخطة الأميركية من حيث الكيفية والتوقيت .. هل تلاحظ؟ أضف الى ذلك فان دوغلاس فال نائب وزير الدفاع الأميركي الذي ترأس مجموعة استقبال أطراف المعارضة العراقية قال اننا أجرينا أحاديث جيدة وأن أطراف المعارضة ستكون جزءا من قيادة المستقبل. هذا الأميركي نفسه يقول انه جزء من قيادة المستقبل .. فمن هو الكل حتى يكونوا الجزء؟ وهذا الجزء متى؟ فالمشروع الأميركي إذن، لا يضع للمعارضة الحقيقية أي دور إلا دورا هامشيا. زد على ذلك، عملوا طوال الوقت على إضعاف المعارضة ومنع تشكيل وحدتها على أساس مشروع وطني ديموقراطي يعتمد على استقلالية القرار العراقي. بالتالي، لا يريدون لهذه المعارضة أن تكون كيانا معززا يأتي ببرنامجه وأهدافه. هم الذين دعوا المعارضة وهم الذين حددوا الأطراف التي تحضر ولهذا معنى كبير في السياسة.
شكل نظام الحكم
> ثمة مصطلحات بدأت بالظهور في الآونة الأخيرة مثل شكل نظام الحكم: الفدرالية، الملكية، البرلمانية، الرئاسية. فلنأخذها بالتسلسل ما موقفكم من الفدرالية؟
ـ منذ عام 1992 أثناء الانتخابات البرلمانية في كردستان نافسنا ونزلنا قبل العديد من الأحزاب بشعار: «الديموقراطية للعراق والفدرالية لكردستان». وشعارنا هو: «عراق ديموقراطي فدرالي موحد». ونميز الفدرالية لتحقيق المصالح القومية للشعب الكردي كقومية كبيرة والفدراليات التي تطرح أحيانا بمسميات مختلفة كالجغرافية الإدارية أو تقسيم العراق الى ولايات ومحافظات تتمتع فيما بينها بعلاقات فدرالية. هذه عبارة عن التفاف على قضية تعد واحدة من مشاكل العراق الأساسية. لماذا هذا الالتفاف؟ ثمة مشكلة ظهرت منذ تأسيس الدولة العراقية اسمها حقوق الشعب الكردي. وفق الاتفاقات الدولية ينبغي تأمين حقوقه الخصوصية، فكل حقوقه ألغيت وتم تجاهلها بالحديد والنار. ولكن الشعب الكردي فرض نفسه بنضاله والآن تبلورت الحركة السياسية مع مطالب الشعب الكردي الذي لديه الحق في أن يعلن حرية خياره بالفدرالية. لماذا هذا اللف والدوران حول فدراليات. أولا، يجب أن نحسم القضية المتأزمة وهي الحقوق القومية في اللحظة الراهنة. عدا ذلك، ما الشكل اللامركزي الأمثل للعراق الديموقراطي والإدارة السياسية للعراق .. هذا موضوع آخر .. نحن الآن نتحدث عن مشكلة مستفحلة هزت الكيان العراقي وكانت سببا في الكثير من المآسي. ينبغي أن نتفق على المبدأ ونترك التفاصيل الفنية الأخرى سيحلها الحوار في عراق ديموقراطي.
> وإذا جاء متعصبون وسيطروا على البرلمان العراقي؟
ـ أنا أتحدث عن المبدأ. هذا المتعصب يؤمن بالفدرالية أم لا؟
> لكنه فاز في الانتخابات بشكل ما ولو عشائريا!
-لا يؤمن .. خلاص .. للشعب الكردي الحق في اختيار طريقه هذه بالنسبة لنا محلولة.
> كيف؟
ـ يوجد شعب انتهكت حقوقه المشروعة والعادلة يلخصها الآن في طلب الفدرالية. يعرضها عليك أنت الشعب العربي ويقول لك لا أريد الانفصال منك وأريد التوحد معك تعالوا نعمل جمهورية موحدة. ليس من حق أي متعصب الاعتراض فهذا من حق الشعب الكردي وليس منحة من أحد ..
> هل تفضلون شكل الحكم رئاسيا أم برلمانيا؟
ـ لم ندخل في هذه التفاصيل. قلنا ديموقراطي.
> ديموقراطية في الأشهر الستة الأولى وبعدين يبدأ التراجع ..
ـ عندها الشعب سيأخذ دوره ..
> لماذا إذن لا تحدد الأمور منذ البداية وفق دستور يحدد بأن هذه جمهورية برلمانية وليست رئاسية لكي لا يتاح لشخص بعينه الانفراد بالقرار ونخلص؟
ـ نعم أنا قلت برلمانية. لا يكون هناك مثل صدام هو رئيس الجمهورية وهو رئيس الوزراء وهو القائد العام للقوات المسلحة .. يكون هناك رئيس جمهورية وآخر رئيس وزراء ويكون برلمان ..
> صلاحيات كل منهم يجب أن يحددها الدستور منذ البداية .
ـ نعم.
العلاقة مع الكويت
> ما هي رؤيتكم حول مستقبل علاقات العراق مع دول الجوار وبالأخص مستقبل العلاقات العراقية - الكويتية؟
ـ لا ضمانة للديموقراطية في العراق إلا بوجود نهج سياسي خارجي مبني على الاحترام المتبادل والتكافؤ والمنافع المتبادلة مع الجيران. ولا توجد سياسة خارجية سليمة بهذا الاتجاه إلا حينما يتوفر نظام ديموقراطي. المعادلة واضحة كما أعتقد. الشعب العراقي ودود مع اشقائه وصديق مع جيرانه وتربطه علاقات تاريخية وشواهد كثيرة على ذلك. واعتقد أن الكويتي نزهته وبيته الآخر في العراق. الحكومات والأنظمة السافلة الطامعة بالثروات المتعالية على الشعوب والمستهترة بمصالحها هي التي خلقت لنا المتاعب. فمن حق الكويتي كما الإيراني والتركي وكل جيراننا أن يتمتعوا بجار طيب ونزيه ومسالم وداعم لهم في مصائبهم ومن حق الشعب العراقي أن يطمح بجيران من هذا النوع. ما حصل مع الكويت عدوان إجرامي أدين من قبل العراقيين وكل القوى التي تملك القدرة على التعبير الحر. ومن حق الكويت التمتع باستقلالها وتشكيل أوضاعها الخاصة وهذا نؤمن به بشكل مطلق. ومنذ بدايات المشكلة كنا دائما مع استقلال الكويت واعتقد أن هذا موقفنا منشور وواضح من محاولات المرحوم عبد الكريم قاسم من ضم الكويت وكان موقف الحزب الشيوعي واضحا ضد هذا الإجراء وكان ذلك أحد مشاكل الخلاف مع عبد الكريم قاسم. ومنذ اليوم الأول للغزو أصدرنا بيانا ضده. ونحن الشيوعيين العراقيين ربما نختلف عن الآخرين ساعدنا الكويتيين قدر طاقتنا في أن يكون دفاعهم عن قضيتهم قويا ومتينا لتحقيق إرادتهم. سواء من قبل الشيوعيين العراقيين الذين كانوا في الكويت أثناء الغزو ومساهمتهم مع الكويتيين في تنظيم مقاومتهم، أو مساعدة الكويتيين الذين كانوا خارج الكويت في الدعاية والتعريف بقضيتهم ومشروعية عملهم. وكذلك باركنا عودة الأوضاع الطبيعية الى الكويت. لكن للأسف هذا الأمر يحتاج الى موقف جيد من الحكومة الكويتية، لموقف وعلاقة ود مع المعارضة العراقية، هذا الذي لم نلمسه.
> الكويت الرسمية لا تستطيع تقوية علاقاتها مع المعارضة العراقية لكي لا يفهم ذلك كتدخل في شؤون العراق الداخلية. ولكن العلاقات مع المنظمات الجماهيرية أليست مفتوحة؟
ـ كلا، كانت مفتوحة وأغلقت في السنوات الأخيرة. وما كان نشطا ومستمرا ومتواصلا من علاقات أيام احتلال الكويت وما بعد الاحتلال بأيام تحول الى برود وعدم تقارب وحتى الحوار مبني على أساس إقامة علاقة مع طرف وإهمال جميع الأطراف. هذا عتبنا، لأنه في آخر المطاف من مصلحة الكويت كما هي من مصلحة الشعب العراقي أن نخلص من هذه الكارثة والوباء الذي يستوطن في العراق وإلا فان العوامل التي أدت الى غزو الكويت ستبقى قائمة مع بقاء هذا النظام. إذن توجد مصلحة مشتركة دون أن يعتبر هذا تدخلا. العالم الآن تغير أنظر ماذا تفعله أميركا .. ألا تستطيع الكويت قول مجرد كلمات أو القيام بحركات أو نشاطات معينة لمساعدة العراقيين في محنتهم. للأسف الموقف ضعيف ولا أريد أن أطيل أكثر، يوجد عتب مع الناس الذين كانوا في علاقات معنا ولا أعرف كيف ولماذا أهملوا هذه العلاقة، أقولها للأسف، اليوم أو غدا سنزيح صدام، وعنصر الضعف الذي كانت تعاني منه المعارضة سيشغل مكانه حالة طبيعية وسنتعاتب مع الأصدقاء!.