الاثنين، 29 ديسمبر 2008

أغرب الأعمال في زمان الاحتلال !


وهكذا ، تنبض الحياة العراقية الجديدة براعة كإحكام وضع الخيط في إبرة. مهن لا تدور في خاطر كأوراق طارئة على أرض تنبشها ريح ، لا ترصدها العيون المارة بصفحات الأيام المرقمة ولا تضرب بأذيالها صور الزمان الملموس الذي يبذل جهدا لتقمص واقع مفترض.
الآن ، وقد طويت الاحتمالات المألوفة ، تشدنا الحماسة للطبيعة المقارنة ، المطابقة لفنتازيا الصور ، التي إن سلطنا عليها الشمس ، تبدو هائلة الأكمة ، وإن كانت في جوهر الأمر ، تقبع في بركة الزمان.
نستطيع الحكم على هذه المهن التي تدر عيشا ما ليس له أهمية في القصص المسطرة في جدولة الحرب ، فيها المتعة والطرافة وأخرى تحمل قسوة مسامير صدئة.
عقال وسيف
في القاعة التي كان فيها الدكتاتور يتمخطر بقامته بين نساء البلاد المزوقات بإفراط والرجال المتعرقون جدا من الهلع والأطفال المجبرون على ترديد صدى ببغاوات الإذاعة بحفظه الى الأبد ، في هذا المكان الذي كانت الجموع تحمل أكياس الذهب لوضعها تحت أقدام بطل التحرير ثمنا لملامسة خدود الزوجات ، تحت أنوارها الوضاءة ردحت أرداف المؤمنات بالغد الزاهر وتمايلت ظهور الأشاوس بالانحناء والسجود لحامل الرسالة الخالدة ، في هذا المكان المسكون بالزيف والغطرسة والتوعد والوعيد والنذر والدماء ، في وسطها ، ينمو عرش الطاووس كما لو كان مصنوعا من مجاذيف سومرية ، متهدلة أطرافه كشعر صبية مشدود في عراك محلي.
برأسه المخروطي ووجنته الكمثرية ، كان يجلس على هذا العرش وينظر الى البشر الآخرين كما لو يتنشق سماد انتهت صلاحياته.
منهم من يضفر أبيات مدبلجة من مسلسل ديني وآخر يهز كتفيه بفعل أهزوجة مسروقة من شاعر مغمور ونسوة سئمن الرعاية في البيت ، فجربن تعقب طفولتهن في صوان الرئيس.
أخذت القاعة والعرش نصف وقت البث التلفزيوني المحلي الذي لا يرى الشعب سواه وغير هذه المسلسلات ذات الأجزاء اللانهائية.
عندما جلسنا على عرش الرئيس العراقي السابق ، لم نشعر بصعودنا الدرج كما كان يفعل عندما ينظر للجميع من فوق ، ولم ينتزع جلدنا ، بل لم يترك لدينا أي انطباع بأن كرسي الرؤساء والملوك يختلف عن باقي كراسي الخلق ، شعرنا فقط بأن قماشه أو ما صنع منه زلق ويدفع جلستنا نحو الأرض.
قرأ شاب يسكن الثورة ما في هامات المنتصرين من رغبة في التصوير وهم جالسون على عرش صدام ، ولأنه يبيع المرطبات في القصر الجمهوري السابق ، فوجوده في القاعة مألوف ، فهو يسقي الجنود ويحضر لهم صورة الذكرى.
أدرك الشاب بأن صورة جندي بملابسه العسكرية لا تكفي لاستكمال المشهد ، لذلك جلب معه إكسسوارات ليظهرهم مشابهين لجلسة الرئيس. فكان يصورهم لقاء مبلغ معين ، ويلبسهم كوفية وعقال وعباءة عربية ويعدل أوضاعهم بحيث يمسكون سيفا ، قد يكون سرقه من أحد المتاحف أو قاعات القصر.
لا يعلم الفتيان الأمريكيون بالطبع ، بأن صدام نادرا ما كان يرتدي الملابس العربية في تصوير أفلامه ، ولم يجلس على العرش مرة وسيف بيده. ولكنها الفكرة والخاطرة التي تناسقت مع ما يحملوه في رؤوسهم من معلومات. كيف خطرت ببال بائع البيبسي هذه الفكرة الجهنمية التي يكسب بفضلها الكثير كما لاحظنا ، حيث يقف الجنود بطابور لا يقل عن عشرين شخصا ليلتقطوا صور يفاجئون بها أقربائهم وهم يجلسون على الكرسي الذي جلس عليه صدام وبسببه تحملت أجيال وشعوب بأكملها كل الأهوال الموسومة في ذاكرة الخديعة التي مارسها صدام على هذا الكرسي واستمر شاب قروي بسيط في ممارستها على الكرسي ذاته !
كلب المؤتمرات
بدونه لا يستطيع أي سياسي أو مسؤول في العراق أو سادته المتعددين الجنسيات ، لا بوش ولا رامسفيلد ولا رايس ولا حتى الزرقاوي وبدون حضوره لا يستطيع مخلوق السماح لأحد بدخول قاعة المؤتمرات الصحفية في القصر ولا يسمح لا بقارئ البيانات ولا بمتعهدي الأسئلة الجاهزة من فتح أفواههم.
فكل البيانات والإعلانات التي تدعو الصحفيين لحضور المؤتمرات تختتم بالجملة المعهودة : الحضور قبل ساعة ونصف من عقد المؤتمر لإتمام الإجراءات الأمنية.
والإجراءات الأمنية هي في حقيقتها كلب مسكين لأن كل الإجراءات الأمنية ملقاة عليه ولكي تصدقوا إليكم الحكاية :
يحضر الصحفيين في الثالثة والنصف عصرا عادة ، لأن جميع المؤتمرات الصحفية في القصر تبدأ في الخامسة. بعدها عليهم نصب كاميراتهم ووضع كافة حاجياتهم ومتعلقاتهم داخل قاعة المؤتمر. في الساعة الرابعة ، يخرج الجميع من القاعة ليحضر " كوستا " الجميل ، وهو كلب المؤتمرات الذي يعرف كل العاملين في القصر شمـّا إثر شمّ. مرة تقوده مجندة سمراء وأخرى جندي أشقر ، وعلى الأرجح أن هذه الصحبة لا تعنيه جدا ، بقدر لحس مؤخرات الكاميرات واستنشاق محتويات الحقائب وتذوق الكاسيتات وتتبع أسلاك التوصيل والهواتف الجوالة.
بعد خروج الكلب ، تبدو إمارات الأمل على الحضور حيث يأتي الآن دور التفتيش اليدوي المباشر لكل شخص لكي يسمح له بدخول القاعة.
وللإنصاف فأن كلب المؤتمرات يقوم بعمله في قاعة ضخمة أسرع مما يقوم بها رجال الحماية المختلفون حسب الزائر ، فهؤلاء يدغدغون الصحفيين الأمريكيين بأناملهم ، فيما يفتشوننا كما لو يعملوا مساج لملاكم فوق المائة كيلو غرام. بالإضافة الى هوايتهم الأخيرة بتفحص أرقام الأحذية والتأكد من محتويات علب السجائر.
هو الأسرع والأدق والأجمل ، هذا الكلب الذي اختار أطرف المهن في زمان المؤتمرات.
القفــّاصة
بشعون ، جوف ، يختارون ضحاياهم وسط زحمة الناس ، من يطلق عليهم العامة في العراق تسمية : القفــّاصة.
لا تفرق لدى هؤلاء الأشرار ، إن كانت ضحيتهم حامل أو طاعن في السن أو صبي لا يملك غير أجرة تكسي.
يفاجئوك وأنت سائر في أي مكان مكتظ ، في الأسواق وبالقرب من تجمع مشاهدي البسطات الكثيرة. في أثناء قراءتك صحيفة ببلاش أو بحثك عن أدوات احتياطية لمكيفك العاطل.
يغرزون سكينتهم في ظهرك ويهمسون في إذنك بأمر حقير : ورّق!!
السكين تكون ملفوفة بقطعة قماش أو جريدة أو أية بلوى. وما أن يشعروا بأنك لا تستجيب لجديتهم ، يدسون السكين بالتدريج في ظهرك ، فإن صرخت ، التفوا عليك مساعدين حامل السكين واتهموك بأنك وليس غيرك من نشل صاحبهم أو تحرش بقريبتهم التي تمشي معهم ( في أحيان كثيرة جدا يشاركون النساء في هذه المهنة تماشيا مع المساواة ).
تسكت ، ستنحدر في ظهرك السكين أكثر فأكثر وستسيل دماءك وستضرب كحرامي في مولد ، وأن تفوهت سيتكالبون عليك وتخرج مضروبا وحراميا ومعتديا على شرف المارة وفوق ذلك يسرقون ما لديك.
هل يوجد بعد سرد هذه الاحتمالات ، خيار آخر أمامك سوى تقديم ما لديك بكل هدوء وأناة وصبر ودقة ؟!
حمار التحالف
لكثرة ما تبثه تقارير الصحفيين الغربيين عن بلداننا وعدم خلو تقرير واحد منها من الحمير ، الذي أصبح لازمة لتقاريرهم عن بلدان الشرق. وكأنه ملح التقارير التلفزيونية والدليل على وجودهم في البصرة أو كابول أو أسيوط.
أثرت التقارير الحمارية كثيرا على سيكولوجية المشاهد الغربي، وتركزت في وعيه أننا بلاد الحمير وأنهم ينامون في أسرتنا ويأكلون من طاساتنا.
فلا عجب ، أن يطور حوذي مهنته ، ويستغل الحمار كدليل على وجود هذا الجندي أو ذاك في العراق بالتصوير معه.
يتمركز الحوذي في النقاط التي يكثر فيها الأمريكان ليعطيهم عربته وحماره وسوطه وحباله التي يشدونه بها ، ليصوروا أنفسهم كما توضح الصورة.
غير أن هذه اللوحة ضاعفت الفكاهة ، حيث تحول الجندي الى حوذي والأخير الى جندي بعد أن تبادلا الخوذة والدرع والأدوار !
شراء وبيع الطوابير
لعل طابور أفراد الجيش العراقي المنحل ، الأطول والأقسى في تاريخ الطوابير.
فهؤلاء التعساء الذين ينتظرون استلام مرتباتهم الشهرية يقفون في طابور يمتد طوال شارع منتزه الزوراء ويصل الى معهد الفنون الجميلة ومدرسة الموسيقى ويلتف في الطريق المؤدي الى القوة الجوية.
لا حساب دقيقا لطوله ، لكنه ليس أقل من كيلومترين ، لاسيما وأنهم يقفون مثنى وثلاث ورباع في أغلب الأحيان.
ليس حديثنا عن الطابور وما يحمله من آلام ومعاناة أدت قبل يوم الى اندلاع أعمال عنف متوقعة ، بل سنلقي الضوء على المهنة الغريبة التي ابتكرها البعض مستغلا عدم تعود هؤلاء الوقوف تحت لهيب الشمس لوقت غير محدود ، كونهم من الضباط الذين كانوا مدللين في الأوقات السابقة. علاوة على أن الوقوف في الطابور لا يعني التوصل الى طاولة المحاسب.
فأي مهنة من الممكن اختراعها في هذه الحالة والحصول بواسطتها على المال ، وهو يعادل ، بالمناسبة ، ما يتقاضاه الضابط في الشهر حسب الاعتبارات الجديدة ؟
يقضي البعض الذين ليس لهم علاقة لا بالجيش ولا بالرواتب ولا بالطابور ، ليلتهم بالقرب من السياج والبوابة ويباتون هناك ، لكي يكونوا في الصف الأول منه ، ليس لامتلاكهم هواية المبيت في الشوارع ، بل لكي يبيعون دورهم في الطابور للآخرين لقاء 2000 – 3000 دينار ، ولو كانوا يمارسون هذا العمل يوميا ، فسيعادل مرتبهم الواقفين في الطابور.
وللفرهود مهنه
وبزغت مهن جمة على هامش الفرهود أو النهب. فليس كل من اشترك في هذه الظاهرة السيئة حمل بيديه أو على ظهره الكراسي والكمبيوترات أو المكيفات وغيرها من الأمور.
فثمة من يقتحم صالة أو غرفة ما ويقف عند بابها مع مجموعة مسلحين من أنصاره ويبدأ بالتعامل مع نهابين آخرين حسب الحوار التالي: هذه الغرفة لنا ، كم تدفع لتأخذها ؟
يتجول النهاب الآخر ليقيم سعر غرفتهم أو المبنى الذي يسيطر عليه المسلحون وبعدها يتفاصلون بالسعر !
أما سواق الشاحنات وعربات الخيول والحمير فلا يشاركون بالنهب بشكل مباشر ، أي أنهم لا يقتحمون المباني والدور ، يكتفون فقط بالوقوف أمامها ويتعاملون مع اللصوص لغرض توصيلهم ، ليس مقابل أموال ، بل الحصول على حصة من المسروقات.