السبت، 11 يونيو 2011

الكرملين وأزمةالكويت (18)

ابتداء من 1 نوفمبر، انتقلت رئاسة مجلس الامن الى الولايات المتحدةِ ولأن اليمن ستصبح في ديسمبر رئيسا لمجلس الامن ومن ثم يحين دور كوبا، فإن ذلك دليل على ان واشنطن ستحاول عدم تاجيل القرار الذي كان يطوف في اذهان الكثيرين: استكمال العقوبات الاقتصادية على العراق بالتهديد باستخدام القوةِ
وفي الحقيقة، لم يخف على احد ابدا، بأنه إذا لم تخضع بغداد وتمتنع من مغادرة الكويت فإنهم سيضطرون في النهاية لإجبارها بالقوةِ
ولم تكن العقوبات الاقتصادية المفروضة في اغسطس وسيلة فعالة جدا كما كان الكثيرون ينتظرون بمن فيهم نحنِ فالعقوبات كانت 'تعض' بالطبع، غير ان الشغيلة العراقيين هم اكثر من عانى منها من القوات المسلحة والنخبة بالاخصِ ومهما كان الامر، لم يشعر بأن وضع السكان الغذائي والاجتماعي المزداد سوءا، قادر على دفع القيادة العراقية في المستقبل القريب للانصراف من الكويتِ قال صدام حسين نفسه في 29 اكتوبر في حديثه لوكالة 'سي ان ان' انه ليس للعقوبات المفروضة على العراق فرص للنجاح وهي كإجبار الولايات المتحدة ترك جزر هاواي بمساعدة تدابير مماثلةِ واشار الرئيس العراقي محاولا إثبات فشل الآمال المعقودة لإجبار العراق على ترك الكويت بسرعة الى ان القيادة العراقية تفكر ب 'مقولات السنين'، خلافا لاصحاب مبادرة العقوبات الذين يفكرون ب 'مقولات الشهور'ِ واكد صدام حسين في هذا الحديث على ان ليست لديه اية نية لسحب قواته من الكويتِ
الشهر الرابع
في غضون ذلك استمر احتلال الكويت للشهر الرابعِ واصبح الوقت عاملا خطرا اكثر فاكثر بالنسبة لسكان الكويت والرهائن وقوات التحالف على السواءِ لهذا السبب لم نستقبل كمفاجاة تلك الواقعة بأنه بعد انتقال رئاسة مجلس الامن الى الولايات المتحدة سافر فورا وزير الخارجية الاميركي بيكر الى بلدان التحالف المناوئ للعراق واعضاء مجلس الامنِ
اعطيت الموافقة على استقباله في موسكو بلا تاجيل، لأنه عدا ازمة الكويت، كانت هناك قضايا عاجلة اخرى تتطلب المناقشة: لقاء قمة مجلس الامن والتعاون الاوروبي المنعقد في نوفمبر والتوقيع المنتظر فيه على معاهدة خفض الاسلحة التقليدية في اوروبا، مشاكل الاسلحة الاستراتيجية، المشكلة الافغانيةِِ وضع جدول اعمال واسع بما فيه الكفاية لهذه الزيارةِ
وصل وزير الخارجية الاميركي الى موسكو في 7 نوفمبرِ ونوقش موضوع الكويت معه على مرحلتين في اليوم التاليِ في بداية الامر مع ادوارد شيفرنادزه ومن ثم مع ميخائيل غورباتشوف باشتراك شيفرنادزه (وكانت ثمة مرحلة ثالثة في مقر وزارة الخارجية نظر فيها الى مسائل اخرى من حيث الاساس)ِ
جرت المناقشات الخاصة بازمة الكويت بصعوبة بالغة بالنسبة للجانبينِ وكما كان منتظرا وصل بيكر حاملا فكرة رئيسية وهي اتخاذ مجلس الامن لقرار يصادق فيه على استخدام القوة ضد العراقِ وبنى بيكر برهانه على هذا المقترح النظري على النحو التالي:
ـ من اجل تامين سمعة الامم المتحدة وعملها الفعال من المهم للغاية المحافظة على وحدة مواقف الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتيِ ومن المهم جدا شيء آخر ايضا وهو ينبغي تنفيذ القرارات التي اتخذها مجلس الامن وبالتالي يجب إيجاد اسلوب يؤمن تحقيقهاِ
ـ افضل طريقة للتوصل الى التسوية السلمية هو إفهام صدام حسين بوضوح تماما بأن عليه الانسحاب من الكويت وإلا ستستخدم القوات متعددة الجنسية الموجودة في منطقة الخليج القوة ضدهِ
ـ للولايات المتحدة وباقي المشاركين في التحالف الذين توجهت إليهم الكويت بطلب المساعدة، الحق الشرعي في استعمال القوة على اساس المادة 51 لميثاق الامم المتحدة بلا قرار إضافي لهيئة الامم المتحدةِ وتؤيد لندن وبعض البلدان الاخرى بالاضافة الى انصار آخرين هذه الطريقة في واشنطن ايضاِ غير ان الرئيس بوش وبيكر نفسه يعملان للحصول على تفويض من مجلس الامنِ
ـ تتخذ بلدان مختلفة مواقف متباينة من مسألة منح العراق بعض الوقت قبل اللجوء الى استخدام القوةِ وترى الولايات المتحدة نفسها بأنه يمكن منحهم 7 ـ 8 اسابيع كحد اقصىِ وفضلت الكويت والسعودية والبحرين ومصر وإنكلترا مواعيد ابكرِ
ـ يجب قبل ذلك زيادة القوات متعددة الجنسية في الخليجِ ولهذا اصدر الرئيس بوش تعليمات عن إرسال 149 الف جندي الى هناك وسيعلن عن ذلكِ وسترسل بلدان اخرى قوات إضافية ايضاِ وبعد إقرار مجلس الامن للقرار الجديد ستكون الزيادة إشارة مقنعة لبغداد وستزداد قناعتها لو اتخذ مجلس الامن قراره على مستوى الوزراءِ
ـ تاليا، ستستمر العقوبات الاقتصادية اكثر من خمسة اشهر لكي تؤثر بصورة مطلوبةِ لذا لن يستطيع احد ما القول اننا سنقبل على إجراء العمليات العسكرية على عجل او قبل الاوانِ
ـ لن يستطيع صدام حسين التحرك لو انه اقتنع بأن المجتمع الدولي سيتخذ موقفا حازما جدا لاقصى حد، وانه مستعد لاستخدام القوةِ بينما يحاول الآن كسب الوقتِ
ـ ان الموقف المعروض هو الامل المتاح الوحيد في التسوية السلميةِ
وفي هذا السياق نظر الى مسألة 'نافذة الإمكانات' للفعل العسكري المحتملِ فحسب التقديرات الاميركية تعتبر هذه النافذة ضيقة للغايةِ لأن العمليات الحربية في مارس وابريل ومايو مستحيلةِ لهذا السبب لو تمت المماطلة في اتخاذ القرار فسيعرف صدام حسين ان الخطر لم يعد جديا، حيث سيبدا موسم العواصف الرملية ومن ثم يحل رمضان ويحين بعدها موسم الحجِ وبالتالي، في حالة الاتفاق على إرسال إشارة دامغة، ينبغي القيام بذلك الآن، لأن 'النافذة' التالية لخدمة العمل العسكري ستظهر ليس قبل اغسطس ـ سبتمبر للسنة القادمةِ ومن المهم للولايات المتحدة ان تعود قواتها للوطن في اسرع وقت ممكنِ
واشار بيكر الى انه يلاحظ ان العقليات المعادية للحرب تزداد في الولايات لمتحدة تحت تاثير الصراع بين الديموقراطيين والجمهوريين وان النهج المتخذ في البيت الابيض عموما ينطوي على خطر كبير بالنسبة للرئيس بوشِ فموافقة إدارة الجمهوريين عليه ليست يسيرة، فهي مدركة ان اي عمل عسكري سيتمتع بالتأييد في الولايات المتحدة لوقت محدود وغير طويل ولن يتمتع بعد هذا بالشعبيةِ ينتج عن ذلك ان موقفا جديا سينشأ من تخطيط العملية العسكرية نفسها التي ستكون مختصرة جدا (بالطبع لن تكون مثل حالات بنما وغرينادا ولن يتم تكرار ما حصل في فيتنام)ِ
ونوقشت مسألة: كيف سيرد صدام حسين فعلا في حالة اتخاذ قرار المصادقة على استخدام القوةِ شك شيفرنادزه في ان القرار، سيؤثر تاثيرا واضحا ولازماِ وراى بيكر ان صدام حسين الذي لا يقول له محيطه كل الحقيقة سيفهم القرار ومن الممكن تماما انه سيتخذ في الاول من ديسمبر خطوات ما بالرغم من ان ذلك ليس حتمياِ غير ان شيئا واحدا فقط يمكن إزاحته من الموقف الراهن: عليه ان يعرف ان القوة ستستخدمِ وكان بيكر في غضون ذلك يعتقد ان صدام حسين سيسحب قواته محتفظا بإحدى الجزر وحقل النفط واعتبر ذلك تقدماِ وفي هذه الحالة يجب تحديد الموقف وكيفية التصرف فيما بعدِ وستكون إعادة حكومة الكويت الشرعية وإبقاء القوات في المنطقة ومواصلة الضغط على بغداد واحدة من الطرقِ وطرق المحادثات ممكن ايضاِ وقال وزير الخارجية الاميركي ردا على السؤال الدقيق بصدد ادعاءات بغداد الإقليمية ان الطريقة المقبولة الوحيدة إذا لم نشجع تكرار ما حصل في الثلاثينات هي تنفيذ قرارات الامم المتحدةِ ولا يجوز التسليم باحتلال صدام حسين للكويت ومن ثم يقطع له قطعة من هذا البلدِ وذكر القصة مع مقاطعة سوديتسكايا وتشيكوسلوفاكياِ
عارض وزير الخارجية (لم يذكر المؤلف سهوا من منهما ولكنه يقصد بيكر على الارجح لأن الحديث ما زال له ـ ج) بانفعال الاحاديث الخاصة بالسماح لصدام حسين إنقاذ ماء وجههِ وراى انه ليس ثمة فرق بين إنقاذ ماء الوجه ومكافاة المعتديِ واعتبر بيكر ان بغداد تتاجر في الآونة الاخيرة بالرهائن وتستخدم الساسة السابقين في حيلها مثل نكاسوني وهيت وبراندت الذين يقدمون في زياراتهم الى بغداد خدمة الى صدام حسين، حيث يظهر امام شعبه بصورة الزعيم الفعال الذي يسجد امامه كل يوم تقريبا اجانب مرموقونِ وهذا يدلل على اهمية إقناع بغداد على متانة الاتفاق الدولي بواسطة قرار لمجلس الامنِ
قام بيكر بعدة خطوات غير مكشوفة بصدد انضمام الاتحاد السوفيتي الى العملية الحربيةِ ولم يبد رفضه الثابت في هذا الصددِ
تجدر الإشارة الى ان بيكر وصل الى موسكو دون ان يحمل نصا ما لمشروع القرارِ ولذا لم تناقش اية صيغة لهِ وركز الحديث على الطابع المبدئي للقرار: يقر ام لا يقرِ وصرح بيكر بوضوح بأنه إذا اقر مجلس الامن ذلك فإن الولايات المتحدة لن تتمكن من الاستفادة من المادة 51 للميثاق قبل مضي الموعد المقرر في القرارِ وان القرار نفسه لن يقضي باستخدام القوة تلقائيا (كان هذا مهما جدا بالنسبة لنا إذا اخذنا في الاعتبار ان آلاف المواطنين السوفيت ما زالوا في العراق)ِ
واشار بيكر قائلا: نطلب تاييدكم لأننا وانتم على حق ولأننا ندافع عن اهم مبدأ اشتركنا من اجله في الحرب العالمية الثانية وهو عدم الجواز والسماح بنجاح المعتديِ
وقال: ندرك انكم لم تتمكنوا من الانضمام للعمل العسكري بسبب مشاكلكم الداخلية وافغانستان وغيرهاِ نطلب منكم فقط الا تعترضوا على اعمالنا وبالاخص اننا على استعداد للانتظار وإعطاء الوقت لكي تعمل العقوبات عملهاِ
هكذا طرحت في موسكو المحادثات الخاصة باتخاذ القرارِ ولم يعط شيفرنادزه لبيكر ردا ملموسا، واشار الى انه شخصيا يرى ديناميكية موقف مجلس الامن بشكل مختلف بعض الشيءِ لكن تقدم الجانب الاميركي بحجج جدية بما فيه الكفاية سيساعد على إعادة البحث في موضوع القرار بعد 10 ايام في باريس خلال لقاء قمة الامن والتعاون الاوربيةِ
على قدر ما اعرف، عرض بيكر على الرئيس السوفيتي بتركيز شديد سبب وصوله الى موسكو واية افكار ومقترحات يحملِ والفكرة الجديدة الوحيدة التي سمعت من جانبه كانت انتقاد صدام حسين الذي كان يدعو بعض اعضاء الكونغرس الاميركي الى بغداد لإطلاق عدد معين من الرهائنِ
وركز غورباتشوف الذي اخبره شيفرنادزه بنتائج مباحثاته مع بيكر اهتمامه الرئيسي على الوحدة السوفيتية ـ الاميركية امام التحدي الذي يواجه المجتمع الدولي بضم الكويت ومحاولات بغداد الرامية الى شق اعضاء مجلس الامن الدائمين والتفريق بينهمِ واكد ان الجانب السوفيتي لن يقوم باية خطوة منفردة ومنفصلةِ وأشار الرئيس الى أننا حتى لو انطلقنا الآن فإن الحل العسكري موجود، إلا اننا لا نغير من حيث المبدا موقفنا ونفضل التسوية السياسية التي يجب السعي إليها حتى اللحظة الاخيرةِ ومن البديهي ان هذه التسوية يجب ان ترسي العدل والقانون الدولي المداسِ واقترح الرئيس التفكير في مرحلتين: في بداية الامر سيطلب مجلس الامن بشكل إنذار نهائي تنفيذ قراراته ويعين لذلك موعدا نهائياِ وبعد انقضاء الموعد يعود مجلس الامن من جديد للنظر في الحالةِ فإذا بقى كل شيء بلا تغيير فإن قرار استخدام تدابير ما بما فيها التدابير الحربية سيفهمه الجميعِ
لم يعجب بيكر مخطط المرحلتين لأنه يؤجل القرار النهائي الى وقت غير محدودِ وذكر بأن بغداد قد بصقت فعلا في وجه المجتمع الدولي عندما رفضت قرار مغادرة الكويت فوراِ وإذا عين المجتمع الدولي لها موعدا ما فإن ذلك سيكون خطوة الى الوراءِ ومع ذلك قام بيكر بخطوة إيجابية صغيرة بإعرابه عن استعداده لمناقشة الرئيس بوش بشان إبعاد ما للموعد الاخيرِ وفي النتيجة تم تاكيد الاتفاق على العودة الى موضوع القرار في باريسِ
ابدى الصحافيون اهتماما فائقا لمحادثات بيكر في موسكوِ وكانوا في الغرب يكتبون كثيرا عن اختلاف مواقف الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة التي تتسع كما بدا لهم من ازمة الخليجِ ويؤكدون على ذلك في رحلات بريماكوف الخارجية وبعض تصريحات غورباتشوف العلنيةِ قال مثلا رئيس الاتحاد السوفيتي في باريس نهاية اكتوبر ان استخدام القوة ضد العراق غير مقبولِ واثار حالا موجة من المضاربات (كان بريماكوف يخمد هذه الموجة وقال للصحافيين خلال استقبالهم المهيب في الكرملين في 7 نوفمبر ان اقوال الرئيس لم تفهم بشكل صحيح لأنه لو لم ينصرف العراق من الكويت فإننا سنواجه الحالة الجديدةِ
وكان شيفرنادزه وبيكر يردان على اسئلة الصحافيين بحذر لأنه 'لم يكن ثمة اتفاق رسمي على القرار'ِ ومع ذلك انتبه الجميع الى ان شيفرنادزه بإشارته الى ضرورة التسوية السياسية، لم يستبعد إمكانية اللجوء الى القوةِ استقبل الامر كإشارة كبيرة الخطورة بلا شكِ
وفي 12 نوفمبر قال كولوتوشا لسفير العراق المهتم بنتائج زيارة بيكر الى موسكو بصراحة ان موقف بغداد القاسي والمتحدي يعطي للاميركان حججا دامغة اكثر فاكثر لصالح استخدام الوسائل العسكرية ضد العراق بهدف إجباره على ترك الكويتِ ومن الطبيعي ان نسمع من الجانب العراقي التاكيد على حقوق العراق التاريخية في الكويت وان ضم الكويت خطوة لا رجعة فيهاِ
سافر بيكر من موسكو الى لندن ومن ثم الى باريس للقاء الرئيس ميترانِ وبعدها تحادث مع وزراء خارجية البلدان الاعضاء في مجلس الامن وكندا واثيوبيا وزائير وكون دي ايفوار ورومانياِ وتحدث مع وزير الخارجية الصيني من قبل في القاهرة عندما كانا يقومان برحلة في الشرق الاوسطِ
وعرفت بعد مرور سنوات اثناء قراءتي لكتاب بوش وسكوكروفت بأن ميخائيل غورباتشوف الذي لم يلق تاييد بيكر لفكرة القرارين، توجه في هذه المسألة الى الرئيس الاميركي برسالة شخصيةِ وعارض الرئيس (الاميركي ـ ج) ذلك بمجموعة من الحجج الكبيرة، الامر الذي اقنع ميخائيل غورباتشوف على ما يبدو عدم العودة الى هذا الموضوعِ
وفور رحيل بيكر، بدأنا الإعداد للقاء باريسِ وكنا ندرك ان من الحسن استطلاع رأي اكثرية اعضاء مجلس الامن والدول العربية الرئيسية، خاصة بعد وضوح نهج بغداد القاسي وروح المحاربة والمواجهة التي تعلن عنها وتهديداتها وسلوكها في الكويت، ومعاملة الاجانب الفظة التي اثارت استياء الجميع لدرجة انه لم تبق اية اسس قانونية وسياسية واخلاقية تعارض تقديم الإنذار النهائي (وبالاخص مفعوله المؤجل)ِ وكان من غير الممكن إبقاء الحالة المتكونة لوقت غير محدودِ وانطلقنا في غضون ذلك من انه بالنسبة لنا وللعراق على السواء يكون من الافضل إعطاء مجلس الامن مجالا للمسؤولية عن منح الذين يستعدون للفعل وفقا للمادة 51 لميثاق الامم المتحدة الخاصة بالحق عن الدفاع الفردي والجماعيِ
لذا وجه البحث قبل باريس، ليس لاتخاذ قرار جديد لمجلس الامن، بل لصياغة مبادئه العملية بشكل افضلِ
وفي سير إحدى المناقشات مع شيفرنادزه، اوحى نائبه اناتولي كوفاليوف بالفكرة الجيدة التالية: تسمية المرحلة بين اتخاذ قرار مجلس الامن والموعد النهائي بتوقف 'النوايا الحسنة' كانت هذه الخطوة مصوبة لبغداد لإفهامها بأن القرار هو دعوة وليس تهديدا، دون ان يتغير جوهر القرار الرئيسي جراء ذلكِ
وظهر كذلك اقتراح بعدم اتخاذ مجلس الامن اية تدابير إضافية ضد بغداد في مرحلة 'التوقف' المذكورةِ
وانحصر المقترح الآخر في عدم ذكر بشكل مباشر استخدام القوة ويتحدد بالصيغة 'كل الوسائل الضرورية'ِ
واخيرا كنا نريد إيصال الامر لكي يستمر توقف 'النوايا الحسنة' لوقت اطول قدر الإمكانِ
اعلمنا ميخائيل غورباتشوف بمجموعة المقترحات وحسب علمي لاقت استحسانهِ
الوقت لمصحة من؟
وافق شيفرنادزه على ضرورة البحث عن طرق لزيادة الضغط على بغداد واعرب عن شكوكه في وجوب اللجوء الآن للبرهنة على استخدام القوة لأن هذا الاسلوب الاخير هو للجم المعتديِ ومكنت المسائل التي طرحها امام وزير الخارجية الاميركي من توضيح بعض الظروف الخاصة بتقدير الحالة وطرق التغلب على الازمةِ اقف عند بعضها:
بحث قبل كل شيء في مسألة العقوبات الاقتصاديةِ لأن شيفرنادزه كان يعتقد بأن صعوبات هائلة ستنشأ في كل الاحول لصدام حسينِ وتساءل عن ضرورة العودة الى مجلس الامن لتقويتها ورفع فعاليتهاِ ورأى بيكر من جانبه، انه لم تتخذ الامم المتحدة في تاريخها عقوبات اكثر فاعلية وإلى هذا الحد وانها فاعلة تقنيا بنسبة 95 % وتراقب بحزم من الامم المتحدة والولايات المتحدة والمجتمع الاوروبي على السواءِ وفي النتيجة لا يستطيع العراق بيع النفط في الاسواق الدولية ولا يستطيع تنفيذ عمليات مالية واستيراد قطع الغيار والمعدات الصناعية، وقد اوقف التصدير والاستيراد من و الى العراقِ من الممكن ان بعض المواد الغذائية يتم تسريبها عبر إيران، غير ان الإمدادات من الاردن توقفتِ غير ان للعراق مستوى عاليا للإنتاج الزراعيِ زد على ذلك فإن صدام حسين مستعد لأن يقسو على مواطنيه ويعيشهم في فاقة على ان يجبره احد على التراجعِ
راى شيفرنادزه بأنه يوافق على ان القسوة والاساليب الدكتاتورية ستمكن بغداد من البقاء لمدة طويلة، غير ان العقوبات ستنشئ مشاكل كبيرة للعراق، وعلينا الا نستخف بها لأن موارد العراق محدودة وسيحين فيه الوقت الذي سيكف عن التعنتِ
ونوقشت مسألة الوقت وهل يعمل لصالح بغداد او التحالف؟ِ وظن بيكر بأن الوقت يعمل في الحالة الراهنة على الارجح لصالح صدام حسين اكثرِ والحجة الرئيسية انحصرت في ان صدام حسين يأمل في الصمود فترة اطول ويحاول استغلال الوقت لشق التحالفِ يرى مثلا ان الرئيس فرانسوا ميتران ادلى في الامم المتحدة بتصريح ذي معنيين ويرى ان المبعوثين يزورون بغداد وفي غضون ذلك يتاجر بالرهائن ويأمل في شق الائتلاف الدولي في نهاية الامرِ واستشهد بيكر بآراء دول الخليج ومصر وسوريا بأن الوقت يعمل لحد الآن لصالح المعتدي بالذات فهو يواصل جمع النقاط في الرأي العام في الاردن وتونس والجزائر واليمنِ وتتحكم بغداد بمهارة في الرأي العام العربي وتتسع إمكاناتها في هذا الاتجاه لو راى الجميع ان التحالف يتفكك ولا يعتزم القيام بشيءِ وحسب رأي بيكر، سيعمل الوقت لصالح المجتمع الدولي لو تؤدي عقوبات الأشهر الخمسة مثلا، إلى إشارة واضحة لصدام حسين بأن الوقت قد حان لمغادرة الكويتِ