الجمعة، 10 يونيو 2011

الكرملين وأزمةالكويت (28)

اتضح هنا أن العراقيين أضافوا الى صيغة غورباتشوف إلغاء قرارات مجلس الأمن، وهذا في رأيي غير مقبول لا للغرب ولا للكويت على الإطلاق، لأن هذا يرفع عن العراق كل مسؤولية الدمار الذي سببه والخسارة التي ألحقها، ويجنبه من التقييدات العسكرية المحتملةِ لذلك حاول غورباتشوف فورا فصل المسألة الخاصة بالقرارات عن القضايا الأخرىِ وقال ان الذين يسعون الى الانتقال للعمليات البرية قد يفسرون هذا كشرط مقدم من العراقِ ويمكن طرح مسألة إنهاء مفعول قرارات مجلس الأمن في المرحلة اللاحقة فقط، أي بعد سحب القواتِ
غير أن عزيز عاند للغايةِ وبالرغم من كافة البراهين على ضرر تقديم قضية إلغاء القرارات الى المقام الأول من الأهمية، إلا أنه لم يتزحزح عن موقفه ومن ثم انتقل الى البلاغة طارحا المسالة على النحو التالي: إما إلغاء القرارات وإما الحرب حتى النهايةِ وقال: 'سيحارب العراقيون جميعهم كل الملايين ال 18 بما يقدرون عليهِ وعندما تنتهي أسلحتنا سنلجأ للأساليب الإرهابية'ِ
غير غورباتشوف بحدة الموضوع بعد أن رأى بطلان المناقشة راغبا في إنقاذ المحادثاتِ وانتقل الى موعد سحب القواتِ وصعق عزيز عندما سمع من غورباتشوف بأن الاميركان يريدون سحب القوات خلال أربعة أيامِ وأشار الى أن العراقيين دخلوا الكويت مع عدة فرق ويوجد هناك الآن أكثر من نصف مليون جندي وأسلحة ومعدات عسكرية كثيرة ومستودعات ذخائر ومواد غذائيةِ وقال عزيز 'لا نستطيع ترك كل هذا والانصراف بدون الأسلحة'ِ وبدأ يعين المواعيد مبتدئا بثلاثة أشهرِ
عند ذاك تأجلت المحادثات الى الصباحِ
اقترح ميخائيل غورباتشوف وضع سبع نقاط كما لاحظ يفغيني بريماكوف أساسا للبيان الصحفيِ وبعد أن استمع عزيز الى هذه النقطة قال حالا انها تلائم موقفهم وانه لم ينتظر أن الجانب السوفيتي مستعد للذهاب بعيدا الى هذه الدرجة مقابل المطالب العراقيةِ
خطة غورباتشوف
وفي الساعة الثانية ونصف الساعة ليلا، سار مساعد الرئيس السوفيتي إغناتينكو مندفعا الى المركز الصحفي حيث كان 700 صحافي بانتظاره للحصول على الأنباء الجديدةِ وقرأ هناك البيان المخصص للصحافة المذكور أعلاهِ لم يكن طويلا وأتذكره بالكامل تقريبا لكي يكون سير الأحداث اللاحقة أكثر وضوحا للقارئ: 'الرد على الاقتراحات السوفيتية كان إيجابياِ فقد توصلنا الى الاستنتاج بعد مناقشات عميقة ومقارنة وجهات النظر ونرى بالإمكان حل النزاع في الخليج بالطرق التالية:
1- يصرح العراق بسحب قواته بدون قيد أو شرط من الكويتِ
2- يبدأ الانسحاب في اليوم التالي من وقف إطلاق النارِ
3- سيتحقق سحب القوات في المواعيد المثبتةِ
4- بعد انسحاب ثلثي القوات المسلحة سينتهي مفعول العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الأمم المتحدةِ
5- بعد انتهاء سحب القوات العراقية من الكويت ستنتهي الأسباب التي أدت الى اتخاذ هذه القرارات ولذا سيكف مفعولهاِ
6- بعد إنهاء وقف إطلاق النار يتم إطلاق سراح جميع أسرى الحرب فوراِ
7- تراقب البلدان التي لم تشارك في النزاع على سحب القوات بتكليف من مجلس الأمنِ
وأخيرا لا يزال العمل جاريا على تدقيق الصيغ العملية والتفاصيلِ وستخبر بالنتائج النهائية لهذا العمل اليوم 22 فبراير كافة الدول أعضاء مجلس الأمن والسكرتير العام للأمم المتحدةِ وهذا ما تسنى لنا اليوم إنجازه 'ِ
وفي الوقت نفسه جرت مكالمة هاتفية بين الرئيسين السوفيتي والاميركي، أخبر غورباتشوف في سيرها بوش عن نتائج مباحثاته مع طارق عزيز التي انتهت تواِ وقال السكرتير الصحفي للرئيس الاميركي مِ فيتسوتير في الصباح ردا على إلحاح الصحافيين بالتعليق على هذا الحدث ان جورج بوش شكر أثناء المكالمة الرئيس السوفيتي على 'جهوده البالغة والمفيدة، وأعرب عن مخاوفه الجدية بصدد بعض نقاط الخطة'ِ ولم يكشف جوهر 'المخاوف'ِ غير أن المعلقين فهموا لم لم تعجب الحكومة الاميركية الدبلوماسية السوفيتية والنقاط السبع المعلنة؟ِ
وفي هذه الأثناء كانت المحادثات السوفيتية - العراقية مستمرة في احد أجنحة وزارة الخارجية في 22 فبرايرِ وكان علينا تنسيق ما تم إنجازه أثناء اللقاء الليلي في الكرملينِ
بدأت محادثات طويلة وجدل ممل حول ثلاث مسائلِ بدأنا من قرارات مجلس الأمن والعقوبات الاقتصاديةِ
أنذر الكسندر بيسميرتنيخ، عزيز، بأننا لا نتمكن من ضمان اتخاذ مجلس الأمن قرار إلغاء مفعول القرارات، بل سنحاول التوصل الى ذلكِ ويجب أن يبدأ في كل الأحوال سحب القوات العراقية الكامل، الأمر الذي سيعني تنفيذ العراق الكامل لمطالب القرار 660. وافق عزيز بصعوبة بالغة على استبعاد النقطة الرابعة من البيان المعلن في الليل بعد أن قدمنا له الحجة الرئيسية المنحصرة في أن الاميركان لن يوافقوا على سحب ثلثي القوات المسلحة من الكويت وسيرون بأن ذلك انسحاب غير كامل في نهاية الأمرِ وكان عزيز يصر على تلقائية إيقاف مفعول جميع قرارات مجلس الأمن بعد أن يترك آخر جندي عراقي الكويتِ وفي النهاية بقيت النقطة الخامسة من حيث المعنى كالصيغة السابقة التي لن ترضي التحالف بلا شكِ
ونجحنا في التوصل الى موافقة على مواعيد سحب القوات ووقت إطلاق سراح أسرى الحربِ
ولكن عزيز صرح فجأة بعد قليل بأنه لا يمتلك صلاحيات كاملة بما نسقناه في هذا اللقاء، واقترح أن يسافر معه يفغيني بريماكوف الى بغدادِ رفض هذا بحزم من جانبناِ وقال بيسميرتنيخ إذا وافقنا على ذلك فسيقول نصف الناس إن محادثات موسكو فشلت وسيقول النصف الثاني ان العراق يواصل اللعب السياسي ويماطل المحادثات ولذا لا يمكن الاعتماد على وعودهِ
واتضح أن السفارة العراقية في موسكو فقدت الاتصالات مع بغداد بسبب الدمار الذي حل هناكِ واقترحنا على عزيز الاستفادة من خطوط اتصالاتنا لكي يقدم تقريره الى بغدادِ كتب عزيز تقريره بالسفارة بواسطة الشيفرة وأرسل من وزارة الخارجية الى السفارة السوفيتية في بغداد ليتم نقله الى صدام حسينِ وبدأ ينتظر رد فعل بغدادِ وفي أثناء انتظار رد فعل بغداد، اتصل ميخائيل غورباتشوف بالهاتف بجورج بوش لكي يطلعه على سير المحادثات مع طارق عزيزِ كلف بوش، جيمس بيكر بسماع أخبار غورباتشوف عبر الهاتف ( ثم اشترك نفسه بالحديث )ِ يكتب بيكر في مذكراته:
'أشرت الى أن سحب القوات العراقية القاضي بغورباتشوف ليس فوريا وبالانسحاب دون قيد أو شرطِ يريد صدام الآن التنصل عن عواقب العدوانِ وقلت أنني على يقين من أن الرئيس سيعد هذه الشروط كلها غير مقبولةِ
لم يعجب غورباتشوف هذا وقال: كنت أتعاون معكم وأحاول أن أؤدي الدور الذي يسمح بالمحافظة على أرواح جنودكم والجنود العراقيينِ نهدف الى إيجاد قرار صارم وعمليِ لا يستطيعون الانصراف خلال أسبوع واحدِ وأجبته: لكنهم دخلوا الكويت خلال يومين'ِ
في هذه المكالمة الهاتفية تلا بيكر لغورباتشوف نص التصريح الذي كان جورج بوش ينوي أن يعلنه كإنذار نهائي مخصص لتقديمه باسم التحالف لصدام حسينِ وحسب أقوال بيكر، عندما دخل بوش في المكالمة، كرر غورباتشوف له الموضوعات الرئيسيةِ واستشهد الآن بما كتبه بوش عن هذه المكالمة:
الابتزاز النهائي
'رد غورباتشوف بشدة على مقترحاته المرفوضة من قبلناِ ولمح الى أننا نقدم عن عمد بمطالب غير ممكنة فيما يخص الانسحاب لكي نواصل عملياتنا العسكرية ِِِ وقلت له بأنه يجب أن يحقق اقتراحنا (يقصد الإنذار النهائي - المؤلف)ِ ان اقتراحنا جدي للغاية ويتلخص في أن تؤيد موقفناِ وإن لم تستطع فعل هذا فاننا نفضل ألا تقاومه'ِ
بعد ساعة واحدة من هذه المكالمة كلف الرئيس الاميركي سكرتيره الصحفي مارلين فيتسوتير إعلان الإنذار النهائي كجهد أخير للحصول من العراق على الموافقة للانصياع لإرادة المجتمع الدوليِ
بالتالي كفوا في واشنطن عن انتظار رد فعل صدام حسين على نتائج مباحثات موسكوِ مع ذلك لم يهمل الرئيس الاميركي مبادرة غورباتشوف بالمرة وذكرها عندما وجه إنذاره النهائيِ وأدلى بوش في 22 فبراير بتصريح قال فيه على وجه الخصوص: 'بعد دراسة بيان موسكو والبحث فيه مع مستشارينا وبعد مشاورات تفصيلية مع شركائنا في التحالف قررت بأن الوقت قد حان للإعلان عما ينبغي للعراق عمله بغية تفادي الحرب البريةِ وينحصر أهم شيء في أن التحالف يمهل صدام حسين قبل ظهر 23 فبراير بالقيام بما يجب أن يقوم به: البدء فورا وبدون قيد أو شرط بسحب القوات من الكويتِ
أردت إيراد بعض المقتطفات من نص الإنذار النهائي المسمى ب 'مقاييس سحب القوات': 'يجب وقبل كل شيء أن يبدأ العراق في الانسحاب الواسع النطاق لقواته من الكويت قبل ظهر 23 فبراير بتوقيت نيويورك وعليه أن ينهي الانسحاب خلال أسبوع واحد ِِِ
تكرر الولايات المتحدة وشركائها في التحالف بأن قواتها لن تهاجم الوحدات العراقية المتراجعة وستبدي في المستقبل أيضا التحفظ طالما يجري سحب القوات وفقا لما عرض أعلاه وطالما لا تحدث هجمات ضد بلدان أخرىِ وستؤدي أية مخالفة لهذه الشروط الى الرد الفوري والشديد من جانب قوات التحالف وفقا للقرار 678 لمجلس الأمن'ِ من الواضح أن إنذار الحلفاء النهائي بلبل جميع تقديرات موسكوِ وأصبحت فرص التوصل الى تسوية سلمية قريبة للصفر عملياِ لأنه صعب علينا تصور (خاصة في ضوء سلوك طارق عزيز في موسكو) أن بغداد ستنصاع لمطالب الحلفاءِ
جاء الرد من بغداد إيجابيا وكما كان منتظرا في ليلة 22 - 23 فبراير بعد أن سرى في القنوات نصف السريةِ وبما أن الإنذار النهائي للتحالف قد أفشي، فمن الهام أن يعلن طارق عزيز في موسكو باسم القيادة العراقية طريقة الخروج السلمي من الأزمةِ
لذلك اجتمعنا في صباح 23 فبراير من جديد في وزارة الخارجية في القوام نفسه: طارق عزيز مع الزملاء ومن الجانب السوفيتي الكسندر بيسميرتنيخ ويفغيني بريماكوف وأناِ
اقترح بيسميرتنيخ حالا وبعد أن أعرب عن ارتياحه بأن الخطة المنسقة استحسنتها القيادة العراقية، أن يلتقي طارق عزيز بالصحافةِ لم يقل عزيز 'نعم' أو 'كلا' وطالب أن نطلعه على الاتصالات السوفيتية الأخيرةِ
تحدث بيسميرتنيخ عن الحالتين: أولا، مكالمة الهاتف بمبادرتنا مع جيمس بيكر وأشار الوزير في سيرها الى عدم منطقية توجيه الإنذار النهائي بعد أن وافق العراق على سحب قواته من الكويت ودعا الى عقد مجلس الأمن بهدف النظر في الحالة وفق هذا الظرف الهام للغايةِ وقال بيسميرتنيخ أن الولايات المتحدة تدافع عن تصرفاتها وتركز الآن الاهتمام الخاص على قيام العراق بالإرهاب البيئي في أراضي الكويتِ
ثانيا، تحدث الوزير عن سلسلة توجهات ميخائيل غورباتشوف الى رؤساء الدول والسكرتير العام للأمم المتحدةِ تلقينا جوابين فقط لحد الآن: يشك الإنكليز في فائدة انعقاد جلسة مجلس الأمن ويؤيد السكرتير العام هذه الفكرةِ
انتهى اللقاء بهذا وذهبنا مع طارق عزيز الى المركز الصحفي لوزارة الخارجية حيث كان الصحافيون بانتظارناِ كانت كلمة عزيز موجزةِ أخبر فيها الحضور بأن مجلس قيادة الثورة صرح أمس بأن العراق يؤيد المبادرة السوفيتية ويقدر عاليا الجهود السوفيتية لبلوغ التسوية السلمية للحالة الراهنةِ بعدها عرج عزيز على النقاط الست وسماها لسبب مجهول بالخطة السوفيتيةِ ولو أنها كانت سوفيتية لكانت أخرىِ ونوه عزيز بأن القرار الخاص لقيادة العراق بسحب قواته فورا وبلا شرط من الكويت يمكن اعتباره الرد على الرئيس الاميركيِ
كان طارق عزيز مستعجلا وذهبنا من المركز الصحافي مباشرة الى مطار 'فنوكوفو' وسافر منه طائرا الى إيران لكي يصل فيما بعد الى العراقِ
الماراثون الهاتفي لغورباتشوف
بدأ في ذلك الوقت في الكرملين ماراثون التلفون الذي لا نظير له لميخائيل غورباتشوفِ تكلم الرئيس السوفيتي في 23 فبراير في محاولة تحويل سير الأحداث الى المجرى السلمي مع: رئيس وزراء بريطانيا، رئيس فرنسا ميتران، رئيس وزراء إيطاليا أندريوتي، رئيس مصر مبارك، رئيس سوريا الأسد، مستشار ألمانيا كول، رئيس وزراء اليابان كايفو، رئيس إيران رفسنجاني وبالطبع مع الرئيس الاميركي جورج بوشِ وكانت لكل مكالمة خصائصها وكانت الفكرة الرئيسية من الجانب السوفيتي واحدة: أحدثت قيادة العراق بموافقتها على سحب القوات الفوري من الكويت وضعا نوعيا جديدا يفتح فرص إيجاد حل سلمي للمشكلة في إطار مجلس الأمنِ ويجب أن يستفيد المجتمع الدولي من هذه الفرصة ودرء الخراب وزيادة الضحايا البشريةِ ورأى غورباتشوف أن مجلس الأمن يستطيع خلال يومين التغلب على الاختلافات بين ما تم تنسيقه مع العراقيين في موسكو وبين مطالب التحالفِ
بدأت العملية البرية عند انبلاج فجر 24 فبرايرِ وأعلن في اليوم نفسه بيان الحكومة السوفيتية، أعرب فيه عن الأسف على ضياع فرصة واقعية للتوصل الى أهداف مجلس الأمن بطرق سلمية وبلا ضحايا في الأرواح أو تدمير ماديِ وقيل في البيان أنه بالرغم من هذا، فقد تم اللجوء الى الحل الحربي حسب الغرائز العاديةِ ولكي لا تؤدي هذه الغرائز الى عواقب خطيرة جدا، تقترح موسكو أن يعمل مجلس الأمن بلا إبطاء لغرض النظر الى الوضع المتفاقمِ علما أن مجلس الأمن يعقد اجتماعاته لكنها كانت تتوقف وكان رئيسه يقوم بالمشاورات كون ثلاثة من الأعضاء الدائمين في المجلس مشاركين في التحالف المعادي للعراق الذي أضاف الآن الحرب البرية الى الحرب الجوية ضد العراقِ
لا أريد هنا التوسع في تفاصيل المسائل العسكريةِ لكن لابد من الإشارة الى أن الطور البري ل 'عاصفة الصحراء' خطط بصورة ممتازة ونظم جيدا وحقق فاعلية بالرغم من أن قوات لعدد كبير من الدول تدربت على مختلف أنظمة الخدمة العسكرية نفذتهِ
كان القائدان لهذه العملية الحربية هما الجنرال الاميركي نورمان شوارتسكوف والجنرال السعودي خالد بن سلطانِ وكانت القوات الاميركية وبعض الدول الأوربية خاضعة للجنرال الاميركي، فيما تولى الجنرال السعودي مسؤولية قيادة قوات البلدان العربية والإسلاميةِ وكان الدور الرئيسي لشوارتسكوف عند المساواة الشكلية للقائدين، إذ كانت القوة الضاربة الرئيسية تحت تصرف الجنرال الاميركيِ
وكانت السياسة أيضا تدخل أيضا في التخطيط للعملية وإجراءاتهاِ ولم ترغب الحكومات العربية المشاركة في التحالف أن تدخل قواتها أراضي العراقِ ولذا كان استخدامها يتحدد بأراضي الكويت فقطِ ولهذا ركز الجنرال خالد اهتمامه على ميدان العمليات الحربية في الكويت حيث سيحارب العرب فيهِ وكانت لشوارتسكوف مهام أوسع لأن قواته وبالأخص الطائرات انتشرت في كافة اتجاهات الجبهةِ وأظن بأنه لم يحدث في القرن العشرين أن شارك في معركة واحدة مثل هذا العدد الكبير من الدول كما كان في سير العملية الحربية لتحرير الكويتِ
وبعد أربع ساعات من بداية العملية توجه صدام حسين بنداء منفعل الى القوات المسلحة العراقية حثهم فيه ب 'لا ترحموا العدو'ِ وجاء في أول بيان حربي نقلته إذاعة بغداد أن 'هجوم العدو فشل كليا 'ِ وقيل في بيان آخر مذاع بعد 15 ساعة من بداية العملية البرية أن 'قوى العدوان لم تستطع بلوغ أهدافها المعلنة وتكبدت خسائر فادحة نتيجة للضربات الماحقة التي أنزلها بهم حماة الحق والدين'ِ وفي الحقيقة، كانت الصورة معاكسة تماماِ فقد كان هجوم الحلفاء يتطور باندفاع وبدون ردع أو خسائر في الأرواح تقريباِ وضعفت عزيمة القوات العراقية في الكويت نتيجة القصف الجوي المكثف والمستمر خلال أسابيعِ ورأت القوات أنها غير محمية من الضربات الجوية ولهذا لم تصمد في وجه ضربات الدبابات المهاجمة للتحالف ومشاة البحرية الاميركيةِ وهكذا تم خرق الدفاعات وبدأ التراجع غير المنظم الذي تحول بسرعة الى هروب فعليِ وكانت الهجمات المضادة نادرة وغير فعالةِ ولكي ينقذ الجنود العراقيون أرواحهم كانوا يلجأون للأسر بالآلافِ
في الوقت نفسه، أعاد الجنرال شوارتسكوف تجميع قواته الرئيسية خفية الى الجناح الأيسر وأنزل ضربة قوية جانبية وبدأ التقدم السريع الى عمق العراق في اتجاه البصرة لكي يطوق القوات العراقية الموجودة في الكويت والمناطق المجاورة لهاِ ونشأ خطر الحصار الكبير واضطرت بعض الوحدات العراقية بما فيها تشكيلات من الحرس الجمهوري لترك مواقعها على عجل والتراجعِ وفي النتيجة، لم يكن الوضع يشكل على النحو الذي كانت القيادة العراقية تأمل فيه قبل بداية العملية الحربيةِ
محاولة أخيرة
ان هذا الموقف جدير بالطبع بكل الاحترامِ ولكن لم تكن له للأسف، فرص النجاح، لأنه خالف العقليات الموجودة عند أعضاء التحالف وهي إملاء إرادتهم على بغداد وعدم مساواتهاِ وكان من السذاجة الأمل في أن التحالف سيتخلى عن الإنذار النهائي الذي قد وجه الى بغداد، لا سيما في ظروف الكارثة البيئية التي بدأت في الكويت بذنب العراقِ
وانحصرت فرصة النجاة من الحرب البرية في تنفيذ شروط الإنذار النهائي من قبل بغداد التي لم ترد أو لم تجد في نفسها القوة لأجل اختيار هذا الطريقِ
استمرت مكالمة غورباتشوف وبوش حتى 45 دقيقة قبل انقضاء موعد الإنذار النهائيِ ووصف سكووكروفت هذه المكالمة بعدة سطور: " كان غورباتشوف يائسا بوضوحِ ولم يتحقق اقتراح واحد من اقتراحاته وكان يحاول بكافة الوسائل وحتى ابتهل للرئيس في نهاية المكالمة للحصول على تأجيل لكي يدعو صدام لكي يثوب الى رشدهِ وكان الرئيس (بوش - المؤلف) صبورا ووديا معه لكنه لم ينثن 'ِ ويكتب مساعد الرئيس أِ تشيرنيايف في يومياته أن غورباتشوف كان يحاول إقناع الجميع مشيرا الى زيارة طارق عزيز الأخيرة الى موسكو في أن حسين سينسحب لأن ليس لديه مخرج آخر من الورطةِ ولم يقل له أحد حتى أولئك الذين ارتبط معهم بعلاقات ودية: لا تتململ يا ميخائيل ! أن كل شيء قد تقرر قبل أسبوعين'ِ
ولم تثمر عن شيء مكالمة بيسميرتنيخ مع بيكرِ ولا جلسة مجلسة الأمن التي أطلع فيها المندوب السوفيتي أعضاء مجلس الأمن على العمل المنجز على طريق التسوية السلمية للنزاع والفرص المتاحةِ ولم يلق التأييدِ
وفي النتيجة أخبر بيكر نظيره السوفيتي قبل 10 دقائق من كلمة بوش التي وجهها للأمة بإعلانه شن الحرب البرية ( كانت تدور خلال ساعة ) والانتقال الى طور جديد للعمليةِ
وخلافا لجميع الأحاديث استمر هذا الحديث دقيقة واحدة فقطِ وبالفعل عن أي شيء يمكن التكلم، فقد كان كل شيء واضحاِ