السبت، 4 يونيو 2011

أحاديث عن المافيا الروسية (2)

تحول المجموعات الاجرامية الروسية يتم تحت تأثير العمليات السياسية والاقتصاديةِ وارتبطت عملية تفكك الاتحاد السوفيتي والاصلاحات بتقليل اهمية دور الدولة بعد ان فقدت القدرة على تحقيق واجباتها الاساسيةِ وادت لامركزية هياكل القوى واعادة بنائها العشوائي الى اضعاف الحماية الاجتماعية ونمو الاجرام، خاصة بعد ان تنحت هيئات حماية القانون عمليا عن حماية المؤسسات التجارية والصناعية والخدمية وغيرها.
وارتكبت اخطاء حقوقية جسيمةِ فلا يعاقب في روسيا من يتعاطى المخدرات لان ذلك يمس 'حقوق الانسان'ِ ولا يعاقب من يغسل الاموال ولا توصف عملية عودة القروض كجنايةِ لم يسجن احد من مؤسسي الشركات والبنوك التي تختفي كل يوم، لم تتوقف عمليات الابتزاز والسلب العلني التي تحولت الى قانون جديد له تعرفته ايضاِ وضعفت المراقبة على تخزين الاسلحة والاتجار بهاِ وفي النتيجة توجد بحوزة السكان الآن اكثر من 5 ملايين قطعة سلاح مسجلة واضعاف هذا الرقم غير مسجلةِ ولا توجد حتى الآن في روسيا وثائق تشريعية منظمة للاستيراد والتصديرِ فكل شيء يمكن شراؤه واخراجه من البلد.
ومنذ عام 1987 بدأ قطاع الاقتصاد يتشكل، وانتقلت الاموال من الخزائن الحكومية الى الهياكل التجارية الخاصة بالتدريجِ واصبحت هذه الاموال سهلة المنال للعناصر الاجرامية.
وبدأت الهياكل السرية تعمل تحت تأثير هذه العوامل باندفاعِ وكانت اتجاهات التغيير الاساسية كما يلي: جعل اعضاء هذه الهياكل محترفين، تعقيد الهيكل التنظيمي، تحسين التسليح، التحول الى هياكل تجارية علنيةِ هكذا ظهر اللوبي الاجرامي في روسيا.
وغدت المافيا الروسية هيكل القوة الاول في البلاد، وتم تكوين هياكل القوة غير الحكومية العلنية كنوع من البيزنسِ وبرزت ثلاثة انواع من هذه المؤسسات: خدمات الامن في الشركات، مؤسسات الحماية الخاصة، قوات المباحث الخاصةِ ولم يلبث ان ظهر ذلك في نشاط الهياكل الحكوميةِ وبدا الانسحاب الجماعي لكوادر الجيش والداخلية والمخابرات الى الشركات الخاصةِ وادت التحولات السياسية في هياكل القوة الحكومية الى مجيء الجنرالات والوزراء السابقين في مؤسسات القوة ونوابهم ورؤساء الادارات الى الهياكل الخاصة (القطاع الخاص).
جيوش فردية
فعلى سبيل المثال فقدت لجنة امن الدولة 'كيِ جيِ بي' قبل ان تنحل 50 في المائة من ملاكها الذين فضلوا العمل كمديرين لخدمات الامن المستقلة مستغلين خبرتهم كضباط مخابرات سابقين للسيطرة على المؤسسات التجارية والبنوك والمعامل وغيرها بعد ان حصلوا على تفويض 'رسمي' من الدولة ل 'ضمان حمايتها'.
وساعد تساهل القوانين الخاصة بالسلاح على انشاء هياكل القوة هذه ومنحت تراخيص بحمل الاسلحة ل 32 الف مجموعة حماية وفق طلبات دائرة الامن المستقلةِ وكنتيجة لذلك برز ما يسمى ب 'الجيوش الفردية' التي تقدم خدماتها للذي يدفع ويشرف على ساسة معينين.
وأنشأ الرئيس بوريس يلتسين لنفسه اول 'جيش فردي' بعد ان وسع ادارة حراسته لتصبح اكبر مؤسسة او هيكل قوة في روسيا.
وكانت هياكل القوة او الجيوش الفردية التي أنشأت لحماية الملكية الخاصة، نواة لما تسمى الآن المافيا الروسية، لان هياكل القوة السرية كان لا بد لها ان تبتكر طرقا جديدة للحصول على الارباح في صراعها من اجل العيش وتقوية نفوذهاِ وادى ذلك الى تحويل المافيات الفردية الى منظمات محترفة، وأنشأ بشكل متواز معها هياكل قوة مماثلة لمنظمات علنيةِ ولهذا السبب جندت المافيا الروسية منذ بداية تكوينها المحترفين من ضباط الجيش والامن والمخابراتِ ويبرز في صفوفها ايضا عدا اللصوص وقطاع الطرق، رياضيون سابقون والجنود الروس الذين حاربوا في افغانستان 'الافغان' وبعدهم 'الشيشان' وغيرهم.
وتميزت مرحلة ما بعد البيروسترويكا بظهور هياكل قوة من طراز جديدِِ ووصف احد رجال المافيا الروس المشهورين هذه الظاهرة ب 'الرياضة المنظمة' على نمط 'الجريمة المنظمة'.
وتعتبر النوادي الرياضية الروسية مقرات لمجموعات المافيا ومكانا للقاءاتها الدوريةِ ووجدت المافيا الطرق لاستخدام الرياضيين (خصوصا في مجال الملاكمة والكاراتيه والجودو والمصارعة وكل انواع رياضة الدفاع عن النفس) وبدأت بتربية جيل جديد كنواة لجيشها واخذت تمول المدارس والنوادي الرياضية والاجتماعية وانشاء الجمعيات والصنادق الخيرية.
وأنشأ الرياضي السابق اوتاري كفانتريشيفلي اول صندوق من هذا النوع اسماه 'صندوق ليف ياشين' وبدأ بجمع الجنود 'الافغان' والرياضيين والضباط المتقاعدينِ وحسب معطيات وزارة الداخلية الروسية توحدت عدة آلاف من المجاميع الاجرامية في 150 رابطة قسمت روسيا الى مناطق نفوذ، وبدأت تسلح نفسها وتؤسس مراكز للتدريب وتوزع الوظائف والمهام، وتشكيلات خاصة بحماية الشخصيات الاجرامية الكبيرة ومركزا لتخطيط الهجمات المسلحة وآخر لجمع المعلومات عن المنافسين والزبائن المحتملين ومركزا لرصد النشاط التجاريِ وانتقلت المافيا من مرحلة التجارة المتوسطة الى الكبيرة، وتغلغلت في اكثر مجالات البيزنس العلني ربحا مثل المجال المالي، الاستيراد والتصدير، الطاقة والوقودِِِ الخِ واقتضى هذا بالضرورة ان يكون للمافيا خبراء في مختلف مجالات الاعمال، وتعقدت الهياكل والوظائف وتم تقسيم العمل حسب التخصص، وحددت بدقة مجالات النشاط الاساسية للمجاميع الكبيرة ذات النفوذ، وتطالعنا الصحف الروسية بين الحين والآخر عن بيزنس القمار، القروض، النفط، المعادن، اليورانيوم، البنوك، التجارة بالسيارات المسروقة، المخدرات، الاسلحةِِ الخِ لكن احدا لم يتحدث عن الآلية التي يتم بها تنفيذ انواع الجرائم هذه ومن يقوم بها، واحيانا تكون احد فروع المافيا المتخصصة بالجريمة الاقتصادية ومراقبة بنوك موسكو التجارية الكبيرة قد فرغت من مهامها فلا بأس ان تقوم باعمال اضافية كالاتجار بالاسلحة والمخدرات.