السبت، 4 يونيو 2011

أحاديث عن المافيا (3)


الاتجار بالاسلحة والمخدرات بالنسبة للمافيا الروسية يعتبران مجالا تقليديا للحصول على الاموال بالاضافة الى ضغطها على المؤسسات الخاصة لدفع الاتاوةِ وتقوم بالفعل بحماية هذه المؤسسات من كل شيء، من ضمنها حمايتها من المنافسينِ وتجد هذه المؤسسات الخاصة نفسها تحت قبضة المافيا مباشرة بعد انشائها، وكذلك المؤسسات الحكومية التي تمت خصخصتهاِ واذا لم تدفع الشركة التي تضع المافيا الروسية يدها عليها الاتاوة المتفق عليها والتي تقدر ب 25 في المائة من الارباح، تجد نفسها في وضع صعب ويكون رؤساؤها في قائمة الاغتيال الفوريِ وتعمل بعض فروع المافيا بصيغة 'القتلة المأجورين' حيث يحددون اسعار كل رأس حسب اهمية القتيل.
ووصلت المافيا الروسية الى المراكز والمخازن النووية ومارست التجارة بالمواد ذات الفعالية الاشعاعية وكذلك سرقة التكنولوجيا النوويةِ واطلق على هذه المافيا ب 'المافيا النووية'.
وفي نهاية عام 1991 ابتكرت المافيا الروسية طريقة جديدة لسرقة البنوك دون سطو مسلح حيث انشأت شركات صورية وحصلت على اموال البنوك اعتمادا على 'الافيزو' او وثائق الدفع المزيفة بشكل ماهر وهزت الاختلاسات الجماعية بهذه الوثائق روسيا المالية كلها حيث كانت انهر الاموال تصب في حسابات المافيا دون حسيب او رقيب.
ولم يسلم الجيش الروسي من نشاط المافياِ وعن طريقه حصلت على ما تحتاجه من المواد الخام الثمينة ومختلف التجهيزات والمعدات العسكرية باسعار زهيدة، خاصة تلك التابعة للجيش وتم استخدام وسائل الاتصال والنقل العسكرية لتنفيذ هذه العمليات بحماية وحدات الجيش.
وعندما حصلت المافيا بطريقة غير شرعية على الاموال الهائلة، اضطرت للبحث عن اساليب تجعل هذه المبالغ شرعيةِ وبذلك جرت الى الى العلاقات الاجرامية 40 في المائة من رجال الاعمال و66 في المائة من المؤسسات التجاريةِ وكانت للمافيا الروسية علاقات مع 35 الف مؤسسة اقتصادية بما فيها 400 بنك و47 بورصة و110 الاف مؤسسة من القطاع العامِ واعتبر انشاء الهياكل التجارية الخاصة شكلا اساسيا لجعل اموال المافيا شرعيةِ وتدخل مجالات الاعمال التي تدر اكبر الارباح في مصلحة المافيا وتعد اسماء اصحاب البيزنس الواقعيين سرية جدا وتعرفها دائرة ضيقة من الاشخاص.
وحسب بيانات مركز التحليل في اكاديمية العلوم الروسية انتقل 35 في المائة من الرأسمال الروسي و80 في المائة من الاسهم المتداولة في الاسواق المالية الى رأسمال المافياِ وهذا كان نتيجة جني الاتاوة من الهياكل التجارية بشكل اسهمِ وتسمح المافيا لنفسها ايفاد ممثليها للجلوس في اجتماعات مجلس ادارة كبرى المؤسسات والشركات الروسية ليراقب كل شيء ويشرف عليه احيانا.
ويظهر نشاط المافيا الروسية العلني في صورة الاستثمارات الاجنبية بعد ان ينتقل المال المسروق من خلال تحويلات مزيفة الى حسابات في البنوك الغربية، ثم تظهر في روسيا شركة ما مسجلة في بلد غربي ما تريد استثمار هذه الاموال (التي خرجت من روسيا اصلا) في الاقتصاد الروسي باسم شركة غربية.
رأسمال اجرامي
وغدا انشاء المنظمات الاجتماعية والجمعيات والصناديق الخيرية اسلوبا مميزا للمافيا لكسب الشعبية وتمرير الكثير من الصفقات على اساس كونها مساعدات انسانيةِ وتعتبر الهياكل السرية من خلال صناديقها الخيرية الممول الرئيسي للرياضة الروسية وترسل الاتاوة التي تجنيها المجموعات الاجرامية لتمويل بناء المدارس ورياض الاطفال لتكوين مركز مرموق لممثليها في المجتمع.
ولم تبلغ المافيا الروسية هذا المستوى 'الشرعي' في المجال الاقتصادي والاجتماعي فحسب، بل تعدته نحو المجال السياسي ايضاِ ويعتبر الحصول على تسهيلات مختلفة تسمح بجني اكبر الارباح وتجلب المسؤولية عن الاعمال المضادة للقانون هدفا اساسيا لها للضغط على رجال السلطة العلياِ وعمليات رشوة الموظفين الكبار الرسميين اصبحت من الاساليب الكلاسيكية لانه من المستحيل تصديق ان كل الوثائق والاعتمادات المزيفة يمكن ان تمر على موظفي البنك المركزي الروسي المخضرمين دون ان تنكشف.
ولعبت صداقة رجال المافيا مع زملاء الماضي في الداخلية دورها في جمع المعلومات ومعرفة اسرار العمليات التي تهم بتنفيذها قوى الامن قبل وقوعها وكذلك الحصول على الاسلحة من مخازن دوائر الامن وحتى الاسلحة الثقيلة منها، وتفيد بيانات وزارة الداخلية ان 50 في المائة من الرأسمال الاجرامي تذهب الى رشوة ممثلي الدولة والقضاء والنيابة.
وقامت المافيا بتنصيب زعمائها في كل فروع السلطة وتحويلهم الى وجوه سياسيةِ وتحولت ايدلوجية 'الرياضة المنظمة' التي بدأت بها الى نشاطات سياسية علنيةِ وتم تأسيس الاحزاب السياسية وادخلت مرشحيها الى البرلمان.
وسيبقى اتجاه المافيا الروسية الاساسي هو جعل نشاطها شرعياِ لذلك تقوي اتصالاتها مع النخبة وتتحول بالتدريج ايضا الى 'نخبة' الامر الذي يسمح لها بالتأثير الفعال على مجمل الحياة السياسية والاقتصادية في روسيا.