السبت، 4 يونيو 2011

'مطفئ الحرائق' جاء ليشعلها. ام لمرافقة يلتسين إلى نهايته؟

رئيس الحكومة بالوكالة سيرجي فاديميفيتش ستيباشين هو واحد من ابرز 'رجال القوة' في روسياِ حصل على شهادة الدكتوراه بعد مناقشة اطروحة في مجال اطفاء الحريق عنوانها 'الاشراف الحزبي على هياكل اطفاء الحريق'(!) عام 1986 في لينينغراد ِ وهو برتبة جنرال كولونيل.
ولد ستيباشين في عائلة ضابط في الاسطول البحري (وطبيب نفساني) في 2 مارس 1952 (هذا التاريخ كان يعجب ميخائيل غورباتشوف كثيرا لانه يوم ميلاده ايضا)، كان الصبي يهوى رياضة الغوص أو العمل في البحر، لكن ضعف نظره حال دون ممارسة هذه المهنة ومنعته اللجنة الطبية من مزاولتهاِ ودون رضا منه، التحق في مدرسة لينينغراد السياسية العليا، وبعد ان اكمل دراسته فيها عمل في حماية المجمعات النووية، وكان هذا الحقل هو الأهم في قوات وزارة الداخليةِ واستطاع بجهود شخصية إكمال الدكتوراه، كما ذكرنا، عام 1986.
اصبح عنوان اطروحة ستيباشين مادة لتندر الكثير من صحف مطلع التسعينات، وكان هذا يزعج ستيباشين بطبيعة الحالِ وكانت كلمة 'مطفئ الحرائق' تثيره ايضا رغم انه قال مرة انه يتقبل هذه الدعابات بهدوء.
كان ترقي رجل القوة ستيباشين قد بدأ عندما حلقت الطائرة التي نقلته من ارمينيا إلى موسكو في مستهل البريسترويكا عندما كان ضابطا عاديا في مجال اطفاء الحريق، وزفت له البشرى من قبل قائد الطائرة: عرف ستيباشين ان المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي وغورباتشوف شخصيا قد 'عينوه نائبا للشعب' في مجلس السوفيت الأعلى (البرلمان السوفيتي)، اختاره لتمثيل الشعب وهو على ارتفاع آلاف الاقدام عنه!.
رئيس لجنة الدفاع
لعب دور الاب الروحي لترقي ستيباشين العسكري والسياسي، الكاتب والمؤرخ العسكري المعروف الجنرال ديمتري فولكاغونوف (ترأس اللجنة الروسية للبحث عن الاسرى الكويتيين في العراق حتى وفاته عام 1995).
وبالذات فولوكوغونوف رشح ستيباشين لشغل مقعد 'نائب الشعب' لبرلمان روسيا الاتحادية السوفيتية في خريف 1991 العاصف، ممثلا عن منطقة لينينغراد، وعينه بمنصب رئيس لجنة الدفاع والأمن في البرلمانِ (كان فولكاغونوف وستيباشين قد قررا منذ 1990 تشكيل تكتل نيابي تحت اسم 'مركز اليسار').
وهكذا ترأس النائب غير المعروف بالمرة أهم لجنة في برلمان روسيا السوفيتيةِ وفي هذا التاريخ بدأت علاقة بوريس يلتسين بالضابط الشاب رئيس لجنة الدفاع والأمن في البرلمان الذي ترأسه يلتسين في ذلك الوقت.
معركة 'البيت الأبيض'
الصفات الاقتحامية التي ميزت طباع سيرجي ستيباشين ظهرت في تمرد اغسطس 1991، وكان على رئيس لجنة الدفاع والأمن ابراز هذه الصفاتِ ولهذا كان في مقدمة المدافعين عن 'البيت الابيض' (مقر البرلمان الذي اعتصم بداخله يلتسين).
واثارت تصرفات ستيباشين 'الشجاعة' اهتمام يلتسين ونائبه آنذاك روسلان حسب اللاتوفِ وانتقلت هذه 'الثقة' إلى الرئيس غورباتشوف الذي امر بعد فك طوق الانقلابيين عنه، بتعيين ستيباشين رئيسا للجنة التي تقوم بالتحقيق في دور جهاز أمن الدولة 'كيِجيِبي' في انقلاب اغسطس.
خرجت اللجنة في نهاية التحقيق بعدة مجلدات ومئات التقارير السرية التي رفعتها للكرملين، وطالب غورباتشوف من ستيباشين الاقامة بشكل دائم في موسكو، واضطر الاخير إلى البقاء في موسكو دون عائلته (زوجته لم توافق على العيش في موسكو ريثما ينهي ابنهما الدراسة في لينينغراد، وحاليا زوجته واحدة من اشهر النساء المصرفيات في روسيا، وابنه تخرج في كلية الاقتصاد والمال في جامعة بطرسبوغ).
عاش ستيباشين اسابيعه الأولى في الفندق الموسكوفي 'مير' (السلام) ِ وكان يزور عائلته من وقت لآخر في لينينغرادِ يقول عن هذه الايام : 'احببت بطرسبورغ (لينينغراد سابقا) لانني قضيت فيها اجمل ايام حياتيِ تعمقت في ثقافتها وجبت في متاحفها وعشقت مسرح بطرسبورغ الدرامي الذي كنت احضر عروضه باستمرار، ولي مع كل العاملين فيه ذكريات وعلاقات طيبة'.
هزيمة أمام الشيشانيين
ومن جديد لاحظ يلتسين بروز ستيباشين في الدورة الجديدة للسوفيت الأعلى لروسيا الاتحادية عام 1993، عندما أصبح ستيباشين واحدا من ثمانية نواب فقط رفضوا اجراءات رئيس المجلس حسب الاتوف في اجراء استفتاء شعبي حول بقاء يلتسين في منصبه خلال عمله في وزارة الداخلية (1987 ـ 1990) ظهر ستيباشين في كل النقاط الساخنة السوفيتية ومنها قضيتا ناغورنو كراباخ وسوخومي.
وفي وقت لاحق عام 1995 فقد في شمال القوقاز منصبه كرئيس للدائرة الفدرالية لمكافحة التجسس (المخابرات الروسية بعد تفكك ال 'كي جي بي') عندما قامت وحدات شيشانية بقيادة شامل بساييف باحتلال بلدة بوديونوفيسك واحتجاز نحو 2000 رهينة في مستشفى البلدة وسقط عشرات الضحايا وعاد بساييف ومن معه الى الشيشان سالماِ عندها طالب البرلمان الروسي باقالة كل وزراء القوة، عدا ستيباشينِ لكن رئيس المخابرات وصف هذا اليوم بأنه 'الأكثر عارا في حياته'، وقدم ستيباشين استقالته بنفسه رافضا حتى الوقت المستقطع الذي طلبه يلتسين للتهدئة.
كوفئ على اغتيال دوداييف
وستيباشين كان واحدا من أهم الذين دفعوا يلتسين لاتخاذ قرار الحرب ضد الشيشان، وأصبح أسيرا للحالة في القوقاز حتى هذا اليوم.
كانت استقالته من المخابرات بمثابة الدين الذي حمله على نفسه مطالبا بالثأر، وترأس فور خروجه من المخابرات مجموعة العمل الخاصة التي خططت ونفذت اغتيال الرئيس الشيشاني جوهر دوداييفِ وبعد نجاح مهمته الثأرية كافأه يلتسين بعد أسابيع بحقيبة وزارة العدل في حكومة فيكتور تشيرنومردينِ وبعد تعديل وزاري قبل الانتخابات الرئاسية (1996) عينه يلتسين بمنصب ممثله الشخصي في الشيشان، وبعدها رئيسا لجهاز الحكومة التي ترأسها تشيرنومردين بعد فوز يلتسين في الانتخاباتِ وفي أول تعديل وزاري أصبح ستيباشين وزيرا للداخليةِ واستمر بهذا المنصب حتى عندما تعاقب على رئاسة الحكومة سيرجي كيريينكو، تشيرنومردين مرة ثانية بالوكالة، وبريماكوف لغاية صدور مرسوم رئاسي بتعيينه رئيسا للحكومة صباح 12 مايو.
وهكذاِِ بدأت رحلة ستيباشين في النسق الأعلى سوية مع يلتسين الذي قرر ان ينهيها بنهايته (عام 2000) مع أكثر رجاله اخلاصا.
اختارهِِ لنهايته!
وفي هذه الأيام العصيبة من حياة يلتسين السياسية وروسيا تواجه لأول مرة في تاريخها اجراءات عزل الشخص الأول في الدولة، حرص الرئيس على ضم 'رجله الوفي' اليه.
هذه فقط بداية 'مطفئ الحرائق' الذي تنتظره في الأيام والأسابيع القادمة حرائق ليست جديدة عليهِ فهو كان في مقدمة من أطفأها في اغسطس 1991، وأول من أشعلها في اكتوبر 1993، رجل المخابرات والجنرال الذي حارب في كل النقاط الساخنة السوفيتية ومن ثم الروسيةِِ ووزير العدل في بلد في أمس الحاجة اليه، ووزير الداخلية الذي لم يمنع وقوع الجرائم الكبرى والصغرى.
لقد عين يلتسين، بقيصرية بحتة، ضابط القصر الأمين سيرجي فاديميفيتش وزيره الأول بدلا من يفغيني ماكسميوفيتش بريماكوف، في 12 مايو 1999، ليصبح هذا التاريخ بداية النهاية لأشهر الاستقرار السياسي في روسيا التي لا تنوي ترك العالم يتابع أخبارها بهدوء!.