السبت، 4 يونيو 2011

افتعال حرب داغستان أدى الى انهيار "'الحلم الشيشاني"


كشفت العمليات الحربية في داغستان، التي استمرت طوال هذا الشهر، الكثير من تناقضات السلطة في الشيشان.
فمن المعروف ان 'مجلس شورى داغستان الاسلامية' اعلن في 10 اغسطس عن انشاء داغستان الاسلامية واعلن الجهاد لتحرير البلاد من 'الاحتلال الروسي'ِ وفي خضم ذلك، اعلن 'زعيم الجهاد' شامل بساييف جهارا 'زرع الموت والرعب في المدن الروسية'ِ ووضعت الاجهزة الامنية الروسية الخطط لمحاربة العصابات في الجبال وفي المدن الروسية.
وعقدت هيئة اركان بساييف اجتماعها الاخير في قرية 'انلستا' التي استولوا عليها في 6 اغسطس وقرروا الانسحاب التكتيكي بعد معرفتهم عزم القوات الروسية التصدي لهم بقوة.
الشورى
تأسس 'مجلس الشورى' في داغستان في صيف 1998 برئاسة محمد بهاء الدين الداغستاني الافاري الذي يتبع الافكار السلفيةِ وانضم اليه ممثلو سبع مناطق في البدايةِ واظهر المجلس نفسه هيكلا جديا اثر على الحالة السياسية في الجمهورية غير ان السلطات الروسية والداغستانية عاملت 'الشورى' باستخفاف مع ان المجلس وحد قوى كثيرةِ فقد ازداد عدد المناطق التي اوفد ممثلوها الى الشورى حتى 15 منطقةِ وبلغ عدد اعضاء المجلس 50 شخصا، وانشئ فيه مجلس للعلماءِ واستمرت السلطات في تسمية هؤلاء بالمدعين و'المضاربين في الدين'ِ وقال السكرتير الصحفي للرئىس الداغستاني ادوارد اورازايف ان الامر لا يتعدى كونه 'عدوانا من تشكيلات عسكرية لدولة جارة'.
واعلن الشورى بلدة بوتيخيلسكي عاصمة للدولة الاسلامية التي احاطها 3 الاف مسلح اسلامي وبدأوا التخطيط لشن حملتهم على محج قلعة وفصل داغستان عن روسيا ومساعدة الانغوش في صراعهم مع الاوسيتيين، وتقديم رسالة حفظ السلام في جمهورية قره شايفو شركسيا التي تمزقها التناقضات السياسية والقومية.
هل علمت موسكو؟
يؤيد المراقبون في داغستان الرأي القائل ان لعبة الحرب في داغستان جرت باتفاق غير معلن بين جميع الاطراف مثلا، كانت التشكيلات المسلحة تقترب مشيا نحو قرية انسلتا تحت بصر القوات الروسيةِ وكان القطاع مرئيا من المطار الواقع قرب القريةِ ولم تعترض القوات الروسية هذا السير فيما كانت طائرة عمودية واحدة تكفي لابادتهم!.
كانت خطط بساييف تتلخص في الاستيلاء على مدينة بوتيلخ وقطع وسط داغستان الى ثلاث مناطق: بوتيلخسكي وتسومادينسكي واخفسكيِ واراد فيما بعد الاستيلاء على مدينة بويناكس التي تفتح الطريق الى محج قلعةِ لكن القوات الروسية منعته من ذلك.
ولعل بساييف راهن على اندلاع 'ثورة شعبية' بعد ظهور فصائله تحت 'العلم الاخضر' ووقع نتيجة ذلك، في حالة معقدة: فالعودة الى الشيشان جارا ذيول الثورة عار كبير، والبقاء في الجبال ومواجهة كل انواع القذائف الروسية استنزاف يفقده رجاله ويحوله الى متشرد مسلحِ وضاقت السبل امامه في 20 اغسطس عندما رفض اسلاميو وسط داغستان مساعدته معتبرين ان هذه الحرب تضع المسلمين بمواجهة بعضهم البعض، وان ذلك اثم ومخالف لقواعد الشريعة.
واستمر الحصار على المناطق التي تحتوي على جبال بنسبة 80% من مساحتها فضلا عن انتشار عشرات الكهوف فيها.
صراع الفرق
لم يكن الثوار الشيشان فريقا واحدا حتى في اتون حربهم ضد روسياِ وتوزعوا بمجموعة من الفصائل قادها بساييف واصلان مسخادوف وسلمان رادويف وخوناكرباشا اسرابيلوف وروسلان غلايف، وعمدوا في ذلك الوقت الى عدم اظهار خلافاتهم، حيث جمعهم هم واحد هو طرد القوات الروسية واتباعها.
وبعد انتهاء الحرب برزت هذه الخلافاتِ ففي اليوم الاول الذي ادى فيه مسخادوف يمين الولاء بعد انتخابه رئيسا، خرج الرئىس السابق سليم خان يندرباييف من القاعة مع بعض انصاره ولم يلتق بمسخادوف الا في المحكمة الشرعية عندما اقسم بأنه لم يحاول اغتيالهِ وفي اليوم نفسه قال بساييف ان نتائج الانتخابات مزورة معلنا عدم اعترافه بشرعية الرئىس.
وامتلك كل قائد ميداني رؤيته الخاصة للخروج من الازمة الاقتصادية والسياسية ولم يخف اي منهم طموحه في الاستحواذ على السلطةِ ولان كلا منهم يتزعم فصائل مسلحة، فلديه كل الاسباب للاستقلال الذاتي.
وبقيت الامور على هذه الحالِِ بمعنى تقسيم الشيشان الى ولايات قبلية لكل منها شيخها.
المسالمون والمحاربون
من المعروف ان الشيشان قسمان، احدهما يسكن المناطق السهلية واغلبهم من المثقفين ويطلقون عليهم 'المسالمين'، وسكان الجبال 'المقاتلون'ِ وليس من المصادفة اطلاق تسمية 'جمهورية ايتشكيريا' على الشيشانِ لان ايتشكيريا قرية جبلية تمثل رمز المقاومة للجبليين حيث انحدر منهم معظم القادة الميدانيين بمن فيهم جوهر دوداييفِواعطى الايتشكيريون انفسهم حق قيادة البلاد لانهم قاتلوا القوات الروسية قبل مائة عامِ واستمر التناقض بين المسالمين والمحاربينِ ومما يغضب الاخيرين هو ان السهليين حكموا الشيشان على الدوامِ (دوكو زفغاييف رئيس البرلمان الشيشاني عام 1991 ورئيس الشيشان حسب التصنيف الروسي لغاية 1996، وروسلان حسب اللاتوف رئىس مجلس السوفيت الاعلى الروسي، واصلان مسخادوف).
وانصار مسخادوف يصنفون الجبليين بالبرابرة ويتمنون عودتهم الى الجبال التي نزلوا منهاِ
ولكن، هل ان المسالم مسخادوف قد خدم روسيا اكثر من بساييف المقاتل؟
لكل منهما هدفه، والاثنان يريان في روسيا عدوا يجب ازاحته، غير ان مسخادوف يفهم ان الحرب انتهت وان خطوات للعودة اليها يترتب عليها الضرر على الشيشان.
واذ يتهم القادة الميدانيون مسخادوف بسبب افتقار جمهوريتهم للسلطة المركزية، يتناسون انهم من افقدها السلطة المركزية القوية، فما ان ينوي الرئىس الشيشاني اتخاذ قرار لا يتماشى مع رغباتهم، حتى يسارعوا الى ارسال فصائلهم المسلحة الى غروزني، كلهم فعل ذلك في اوقات مختلفةِ وكانوا اثناء الحرب يشيدون بكفاءة مسخادوف العقيد في الجيش السوفيتيِِ وعندما اصبح رئىسا صار عميلا للكرملين!.
وسعوا الى الاطاحة به باعلان تطبيق الشريعة الاسلامية، ويترتب على ذلك تغيير نظام الحكم ورأس السلطةِ بيد ان الرئىس الشيشاني، سبقهم الى اعلان تطبيق الشريعة في نهاية 1998 الامر الذي جردهم من هذه الورقة وفتح ابواب الصراع على مصاريعها وعلى المكشوف.
واذا كانوا غير قادرين على تحقيق الوحدة في بلادهم وكيف سيستطيعون تحقيقها في داغستان؟ وهل ستمثل داغستان محطة لانهيار الحلم الشيشاني نفسه؟.