الثلاثاء، 7 يونيو 2011

من بوتين الثاني؟


قال المعلق التلفزيوني المؤثر يفغيني كيسيلوف في برنامج 'النتائج' الذي عرض يوم المعروض يوم الاحد الماضي، ان الامر يبدو في روسيا وكأن الشعب انتخب بوتين واحدا ولكن الرئاسة تبوأها بوتينان: الاول يتحدث بلغة الغرب عن حرية التعبير واقتصاد السوق والانفتاح على العالم والتعامل مع كل الدول على قدم المساواة، يحارب الفساد ويكافح الجريمة المنظمة وغير المنظمة، يرعى الشعب ويحافظ على مصالح البلاد القوميةِ والثاني يرسل قواته المسلحة لتبيد الاخضر واليابس في اراضي الفدرالية العزيزة 'دفاعا عن وجودها'، ويقتحم رجاله المسلحون مكاتب المؤسسات التي لا تخضع وسائل اعلامها لارادته، يحتجز الاوادم في اقفاص القردة، ويصبح مصير الصحافيين المعارضين له بين محترق في طائرة ومجنون في اقرب مصحة وخائن اعظم، يمنح سراق المال العام (المعروفين لأصغر طفل) ثروات البلاد الطبيعية ويحول البرلمان الى جوقة غير متجانسة تسبح بقراراتهِ.
واذا كان المحلل التلفزيوني قد قال 'لدينا بوتينان' وانصرف لتحليل موضوع آخر وترك المشاهدين يضربون كفا بكف، فان صحيفة 'سيفودنيا' قالتها في عدد الخميس بالحرف الواحد: في روسيا يوجد رئىسانِ تم انتخاب واحد وحصلت البلاد مباشرة على اثنين: فلاديمير بوتين والكسندر فالوشين (رئىس ديوان الكرملين).
وباعتراف بوريس يلتسين نفسه في مذكراته، التي لم يكتبها فان انتخاب بوتين رئىسا لروسيا جرى بالذات في عزبة فالوشين بحضور 'العائلة'ِ واذا كان كل المحللين يجمعون على تأثير فالوشين الكبير في السياسة الروسية في عهد يلتسين، فالقلائل يتحدثون الآن عن انه اليوم اقوى مما كان عليه بالامس.
فمن الرئىس الآخر لروسيا، حسب تعبير الصحيفة؟
لم تنفك اواصر 'العائلة' برحيل يلتسين، بل ازدادت قوة ومتانةِ وبطنها الرئيسي يضم، وفي الاعادة افادة: تاتيانا دياتشينكو النشطة والحساسة للغاية، وبوريس بيريزوفسكي الداهية وكثير الكلام والمال، ورومان ابراموفيتش 'البوي فريند' المبهم، وفالنتين يوماشيف الصحافي الفاشل، ورئىس ديوان الكرملين الكسندر فالوشين.
فالوشينِِ كبير السواقين
ولد فالوشين في 3 مارس 1956 في موسكوِ وتخرج عام 1978 من معهد النقل في موسكوِ عمل منذ عام 1978 وحتي 1983 مساعد سائق لقاطرة كهربائيةِ وبعد ان ترأس خلية اتحاد الشبيبة الشيوعية (الكومسمول) نصبوه رئىسا للسواق في محطة 'موسكو ـ سورتيروفوتشنيا' عام 1983 ولغاية 1986.
عمل في الاعوام 1986 ـ 1992 في قسم السواق في المعهد العلمي المتخصص بدراسة حالة السواق في الاتحاد السوفيتيِ وفي هذا الوقت بدأ فالوشين يقدم المساعدات الاستشارية والمعلومات لمختلف الشركات حديثة العهد المتخصصة بتصدير السياراتِ ولان بوريس بيريزوفسكي بدأ حياته في ظل العهد الجديد تاجرا للسيارات في شركة'اف ف أ' فقد تعارف مع رئىس السواق واصبح فيما بعد شريكه وقريبه، حيث كان فالوشين يزود بيريزفسكي بكل اسرار المناقصات الخاصة ببيع السيارات في اواخر ايام الاتحاد السوفيتي وما لحقها من سنواتِ وما ان اشتد عودة حت عمل وكيل البورصة الشخصي لبيريزوفسكي الذي كان عودة يقوى اسرع فاسرع.
وكان الاقتراب من بيزيزوفسكي فرصة كبيرة لمساعد السائق السابق ليطير الى العلا اسرع من الصوتِ وبدون معرفة أو سابق انذار للنخبة السياسية والاعلامية في البلاد عين فالوشين(غير المعروف بالمرة) في نوفمبر 1997 مساعدا لرئىس الديوان فالنتين يوماشيف للشؤون الاقتصاديةِ وفي 12 سبتمبر 1998 اصبح نائبا لرئىس الديوان، وبسرعة فائقة منحوه رئاسة واحد من اهم جهاز رئاسة في العالمِِ الكرملين.
وبذلك انتمى الى 'العائلة' كعضو كامل الحقوق تمهيدا لزعامتها فيما بعد.
بيزنس مشبوه مشبوه
بالرغم من انشغاله في المناصب الحكومية لم ينس فالوشين اعماله التجارية وكان دائما كسابق عهده يشترك في مشاريع مشكوك فيها جدا.
في فبراير 1993 وفي مرحلة الخصخصة بالجملة (وفق سندات لا قيمة لها اطلقوا عليها تسمية 'فاوتشير') ترأس فالوشين مع شريكه تشيرنويفانوف اربع شركات استثمارية دفعة واحدة وفي وقت واحد، كانت ثلاث منها هي 'اولمب'، 'برستيج' و'ايليت' عبارة عن صناديق الشيكات الاستثمارية العاملة وفق مبدأ 'ايها الشعب اعطنا سندك ولن تقبض منا شيئا'! وكانت الشركة الرابعة 'فور انفيست' تعمل في سوق الاوراق الماليةِ والملاحظ ان الشركات الاربع سجلت في يوم واحد وهو 23 فبراير 1993 سوية مع شركة بيريزوفسكي 'لوغا فاز'.
وترأس فالوشين في يوليو 1993 مؤسسة الاعتماد المالية 'ايستا كورب' واصبح عام 1995 رئيسا لادارة الموجودات لصناديق المعاشات التقاعدية 'فينكو انفيسمنت' واسس الشركة الاستثمارية 'ا س م ك' لكي يمرر عبرها معاشات المتقاعدين ويدورها دون ان تصل سنويا الى المسنينِ وتمكن فالوشين في الوقت نفسه من شغل منصب رئىس 'اتحاد الصندوق الفدرالي' الذي كان وكيلا للصندوق الروسي المتخصص في اجراء المزادات النقدية العلنيةِ وكان هذا الاتحاد عبارة عن لوبي بيريزوفسكي وابراموفيتش وتوضح دوره خلال خصخصة شركة النفط 'سيبنفط'ِ وكانت لفالوشين علاقة مباشرة بالشركة المساهمة 'اتحاد الصندوق الموحد' التي اشترتها بيريزوفسكي 'اف ف أ' عام 1997.
ودخل فالوشين في قوام مؤسسي الشركة المساهمة 'تحليل، استشارات، مركيتينغ' التي اشتركت في تأسيس الرابطة الاقتصادية الخارجية 'انتير اكو تشيرنوبيل' والمتطورة في فضيحة استيراد البراندي اليونانيِ وحسب معطيات البوليس الدولي 'الانتربول' كانت هذه الشركة تهرب المعادن الثمينة من روسيا.
بنوك وشركات
وترأس فالوشين في يوليو 1993 مؤسسة الاعتماد المالية 'استا كورب'ِ وفي ربيع 1994 بدأت تنهار شركات الاستثمار العاملة بسلب اموال الناس بوعود الخيرات الكاذبة (على طريقة سوق المناخ): نسب مئوية خيالية، سيارات وشقق مجانيةِِ الخ وكان بنك 'تشارا' الذي كان فالوشين احد اعمدته الرئيسية من بين الهياكل المنهارة.
وفي هذا الوقت وبينما كانت البنوك تنهار الواحد تلو الاخر ساعد فالوشين صاحبه بيريزوفسكي بسحب نقوده من 'تشارا' وتحويلها على حسابات 'ا ف ف أ' واشترى في 1994 هذا البنك اسهم 'اف ف أ' البالغة خمسة ملايين ونصف المليون دولار وكانت شركة 'استا كورب' وسيطا في هذه الصفقةِ وفي النتيجة ذهبت نقود 'تشارا' بسلام من حسابات المودعين الى حسابات بيريزوفسكي الذي بدل اوراقا عديمة القيمة بدولارات المودعين في 'تشارا' الكاملة القيمةِ وكان فالوشين هو 'المنقذ' الاول لاوراق بيريزوفسكي على حساب دولارات الاف المودعين الذين بلغت اموالهم التي اضاعها بنك فالوشين اكثر من بليون ونصف بليون روبل او ما يعادل ربع بليون دولار في ذلك الزمن.
ولا يزال المودعون يراجعون المحاكم بشأن القضية الجنائية المرفوعة على رؤساء 'تشارا' والمرقمة 57801، وبالطبع فقد قيدت ضد مجهول!.