الثلاثاء، 7 يونيو 2011

أين ذهبت الأموال المخصصة للشيشان وداغستان؟

تسيطر على ذهن القيادة الروسية قبيل الانتخابات الرئاسية عدة منغصات قد تؤدي الى ارباكات 'انتخابية' للرئيس بالوكالة فلاديمير بوتين، بينها فضائح مالية ترتبط ب 'تمويل الحرب الروسية في الشيشان وداغستان'.
وكان بوتين قد التقى مع القائمين على الوضع في الشيشان في الكرملين الاربعاء الماضي، وهم: نائب رئيس الوزراء وممثل الرئيس الروسي في الشيشان نيكولاي كوشمان ووزراء القوة والمالية واعضاء ادارة الرئيس المسؤولين عن هذا الملف.
وطلب بوتين من المجتمعين التحدث 'بصراحة ووضوح واخلاص'، وبالضبط ردا على السؤال: أين ذهبت الأموال التي خصصت الى داغستان والشيشان؟
وحدد بوتين رقم تحويل واحد من الميزانية والبالغ 192 مليون روبل وطرح السؤال: 'ينبغي ان نعرف اين ذهبت هذه الاموال وما حل بها'، ومن الواضح ان صراحة الرئيس بالوكالة كانت أكثر من المعتادة ويبدو انه يدرك بان هذه الأموال 'بحوزة' احد الحاضرين أو مجموعة منهم!.
كان نيكولاي كوشمان قد صرح أكثر من مرة بأنه لا يرى سببا لاعادة بناء شيء في الشيشانِ غير ان سيل الاموال كان يستمر الى الجمهورية المدمرة وعلاوة على ذلك يعترف حتى العاملون في ادارة كوشمان بأنهم بدأوا منذ الأيام الأولى لدخول القوات الفدرالية الى المناطق النفطية الشيشانية بعمليات انتاج النفط وبيعه للمقاطعات الروسية المجاورة وتخصيص حصة منه لما أسموه 'حملة اعمار الشيشان' وكل ذلك من دون حسيب أو رقيب، مستغلين ظروف الحرب.
وحتى في داغستان الهادئة التي دمرت الحرب فيها قرى جبلية غير ملحوظة في الخريطة الوطنية، تم فتح 15 قضية جنائية حسب صحيفة 'كوميرسانت' منذ اكتوبر الماضي، بين اختلاس وابتزاز ورشوة، ذهبت الى جيوب موظفين صغار أو كبار، أو اصدقاء وسماسرة، فيما يبقى سكان القرى الجبلية المنكوبة في احداث داغستان بلا مأوى.
تسعة بلايين روبل
والذي لم يقله بوتين في الاجتماع، ان الحكومة الروسية خصصت من ميزانية عام 2000 نحو 9 بلايين روبل لاعادة توطين ضحايا تفجير البيوت السكنية في بوينايسكي الداغستانيةِ وستمائة مليون روبل من المبلغ المذكور حولت الى داغستان فورا من الاحتياطي الفدرالي والآن وصل الرقم الى بليون ونصف البليون روبل الى هيئات الطوارئ الداغستانية.
ولكن وصلت الى موسكو شكاوى من المتضررين أكدت ان هذه الاموال سرقها الموظفونِ وبأمر من بوتين وصلت الى محج قلعة في منتصف فبراير لجنة تحقيق من وزارة المالية برئاسة نائب رئيس الحكومة فيكتور خيراستينكو وضمت ايضا رئيس دائرة المراقبة والتفتيش في الكرملينِ وصرح خيراستينكو بعدم وجود أي تقصير من مسؤولي الجمهوريةِ وفورا فتحت النيابة العامة الروسية قضية جنائية للبحث عن هذه الأموال.
أول المتهمين كبير المهندسين في ادارة بوينايسكي عثمان عثمانوف وهو أيضا عضو في لجنة تقدير الأضرار الناجمة عن التفجير وقد قام بادراج اقربائه ضمن المتضررين وتسليمهم 200 ألف روبل.
اما رئيس هيئة الطوارئ الداغستانية حسن موغاماييف فهذا لم يسلم النقود لأقربائه وأصدقائه فحسب، بل اقتطع لنفسه منها ايضا.
وابتزاز الدوائر الدينية!
ودخلت الدوائر الدينية على الخط وابتزت من هذه النقود بضعة ملايين بدعوى دعمها لمحاربة الاصولية في الجمهورية بالرغم من ان الاموال مخصصة لضحايا التفجيرات.
واذا كانت السلطات الفدرالية وحتى الرئيس الروسي لا يستطيعون السيطرة على عملية بسيطة كتعويض المتضررين في بناية واحدة في داغستان الهادئة فكيف سيقومون باعمار الشيشان التي دمرت وتشتت شعبها من جديد في معسكرات اللاجئين وفي كل المعمورة؟
واذا اعدنا سيناريو حملة اعمار الشيشان السابقة فقد ذهبت 2.4 تريليون روبل الى هناك لو صدقنا أرقام وزارة المالية الروسية (وقتها كان الدولار يعادل 4200 روبل قديم قبل ازالة الأصفار)، وطرحت الحكومة الروسية امام الدوما مسألة صرف 5 تريليونات روبل اخرى للشيشانِ وكانت الاعتمادات تصرف دائما من ميزانيات الوزارات.
لم تضمد الجراح
وفي ذلك الوقت كانت تظهر الصحف المركزية بعناوين مختلفة تصب كلها في السؤال الحتمي: أين تذهب أموال اعمار الشيشان؟ تماما كما طرح بوتين مؤخراِ ونتائج التحقيقات الصحفية اثبتت انه في الشيشان يسرق الجميع، ابتداء من عمال البناء وانتهاء بالوزاراتِ لذلك لم يضمد مطر التريليونات الروسية الجرح الشيشاني الكبير، كونه نزل على تربة غير معدة ولأن مسألة اعمار الشيشان بحد ذاتها لا تنبع من دوافع صادقة، بل لأسباب يرتبط اغلبها بالضغوط 'الانسانية' الغربية والمباحثات مع صندوق النقد الدولي وغيرهِ وحتى الذين طالبوا باجراء 'عملية جراحية عاجلة'، لاقتصاد الشيشان بعد انتهاء 'عملية مكافحة الارهاب' تراجعوا وفضلوا تدليك الاقتصاد الشيشاني بغرض انعاشه فحسب.
تكرار فضيحة 96
وكيف تتم السيطرة على الأموال في الشيشان من دون حكومة محلية وهياكل محلية ترتبط بعلاقات عمل مع الهيئات الفدرالية؟
يذكر الجميع أسماء البنوك التي تأسست عام 1996، لتمويل ورشة الشيشان وكيف تبخرت هذه البنوك واغلقت التحقيقات في ملابسات القضية لكي لا تتحول الى فضيحة.
ولم يتغير الخطاب الروسي الموجه الى الشعب الشيشاني: عودوا الى منازلكم وسنتكفل برعايتكم.
والشريط الفضائحي طويل وفيه أسماء وزارات وشركات ومسؤولين لا حصر لهم وبنوك ومؤسساتِ ويكفي ان نشير الى لقطة منه: لغرض اصدار جريدة اسموها 'العدالة' (!) لتوزع في الاراضي الشيشانية فقد سرقوا حتى المطبعة!.