الثلاثاء، 7 يونيو 2011

المرأة الروسية تفوقت على الرجل في معظم الوظائف

استنادا الى الدستور الروسي المقر في عام 1719 قسم المواطنون في الامبراطورية الروسية الى نوعين: النشطين والخاملينِ وكانت درجة المواطنة تقاس على دور المواطن في المجتمعِ غير ان هذا الدستور صنف المرأة ووضعها في خانة الخاملين مع الكثير جدا من الرجالِ والخاملون حرموا من حق الحصول على المواطنة من الجنسين.
وعند وضع دستور عام 1793 جرى نقاش طويل حول مسألة 'النشطين' و'الخاملين'، ومع ذلك ظهر الدستور حارما المرأة مجددا من الحقوق السياسية بشكل قطعي.
في 9 نوفمبر 1793 دعت 'كتلة الانقاذ الوطني الروسية' لمشاركة المرأة في صنع القرار السياسي ومنحها حق الاشتراك في الثورة التي يشهدها المجتمعِ وكانت تلك اول دعوة ظهرت في هذا الصددِ وردت السلطات على هذه الدعوات بحصر نشاطات الجمعيات النسائية التي كانت تمارس اعمالها بدعم من الجمهوريينِ ومنذ ربيع 1795 بدأ النساء الروسيات يمارسن نشاطاتهن السياسية بشكل سري مهتدين بشعارات الثورة الفرنسية.
ولكن في احد ايام 1804 وقع مرسوم من نابليون جاء فيه ان المرأة لا ينبغي ان تمنح اية حقوق وطنية وعليها ان تقبع تحت كنف زوجهاِ عندها ادركت القيادات النسوية الروسية بان الشعارات الديموقراطية التي حملتها الثورة الفرنسية 'الحرية، المساواة، الاخوة' خاصة بالرجال فقط!
رأسمالية اوروبا
وفي مطلع ثلاثينات القرن التاسع عشر انتشرت الرأسمالية في اوروبا الغربية وخاصة في المراكز الصناعية الكبرى وبدأت وقتذاك الهجرة من الريف الى المدينة الصناعية، الامر الذي ادى الى تغيير نمط العلاقات الاسريةِ لكن مثل هذه المدن الصناعية الكبرى لم تظهر في روسيا الزراعية واستمرت العلاقات بين الرجل والمرأة على سابق عهدها في الريف الروسي بغض النظر عن الشعارات التي كانت ترفعها النشيطات من نساء الطبقة الارستقراطية الروسية اللواتي كن يفكرن بطريقة براغماتية ونفعية بحتة، حيث فضلن ترقيهن الشخصي على قيادة القاعدة النسوية التي كانت تبتعد عنها طبقيا مسافات شاسعة.
امرأةِِ بوشكين
وعد الكسندر بوشكين الرجل الوحيد في القرن التاسع عشر الذي دخل في مواجهة حقيقية وفاعلة من اجل انتزاع حق المرأة في الحريةِ واعتبر تاتيانا لارينا نموذجا للمرأة الروسية في ذلك الزمانِ مضفيا عليها قوة الشخصية والجاذبية والشعور بالمسؤولية والقدرة الفذة على القيادةِ لكن لارينا بقيت بطلة اسطورية في الادب فقط وفي ذهن بوشكين فحسب حتى عام 1825 عندما اندلعت ثورة الديسمبريين والذي اعتبر بوشكين مفكرها الرئيسي تقريباِ وظهر نموذج لارينا الذي حلم به بوشكين في صورة امهات وزوجات الديسمبريين الذين تم نفيهم الى سيبيرياِ لقد ثبت التاريخ للنساء الروسيات مواقف بطولية وشجاعة في هذه الحركةِ ومع ذلك كانت هذه البطولات فردية ولا يمكن تعميمها على المرأة الروسية.
وامرأة تولستوي
ولم تكن آنا كارنينا لتولستوي سوى نتاج المرحلة الاولى للحركة النسائية الروسيةِ رغم ان تولستوي كان يعتبر شخصية المرأة الحقيقية تتجلى في اعتنائها باولادها وزوجها وبيتها وهو ما يخرج به قارئ كل اعمالهِ وحسب قوله: 'حب الاسرة والاستمرار بالولادة ما ينبغي على المرأة فعله وهو واجب عليها وهنا تنحصر حقوقها وبطولتها'ِِ هذه الكلمات كانت المفتاح الاخير الذي القى به تولستوي في روايته الشهيرة انا كارنينا وفيها تلخص موقف اعظم كاتب روسي في القرن التاسع عشر الذهبي للنثر الروسيِ غير ان تشيخوف عدل بعض الشيء من حدة العبارة السابقة بقوله عام :1899 'وبقدرتها على منح كل شيء لمن تحب'.
شخصيات موهوبة
عموما، استمرت الحركات النسوية بالتواجد في المجتمع المدني الروسي وكانت نوعان: الاولى، مقلدة للحركات التي ظهرت في اوروبا الغربيةِ والثانية، مجرد حركات اهتمت بالثقافة القومية الروسية وعلى طراز الصالونات الادبية.
وفي الستينات من القرن التاسع عشر تطورت هذه الحركات بعد ان قادتها نساء اشتهرن بمواهبهن المختلفة مثل الموسيقية ناديجدا ستاسوفا (شقيقة اشهر موسيقار في ذلك العصر فاسيلي ستاسوفا) والرسامة ماريا تروبنيكوفا والكاتبة آنا فيلوسوفا حيث بدأن يطرحن مطالب محددة ويسعين للحصول عليها مثل حق المرأة بالتعليم والعملِ ثم تطورت هذه المطالب وصولا الى شعار المرأة الازلي 'مساواة المرأة والرجل في كل شيء'ِ وبفضل هذه الاسماء اللامعة في تاريخ الحركات النسوية الروسية والعالمية احتلت روسيا في مطلع القرن العشرين المركز الاول من بين كل دول اوروبا الغربية في نسبة النساء الحاملات للشهادات العلياِ ولعل روسيا حافظت على هذه النسبة حتى يومنا هذا بفضل جهود الثلاثي المذكورِ واستمر نشاطهن بتأسيس اول جمعية نسائية اعترف بها رسميا في 5 ديسمبر 1895، لكن ناديجدا ستاسوفا التي تعتبر مؤسسة اول جمعية نسائية روسية ذات شعبية واسعة وفروع في كل المدن الروسية فارقت الحياة بعد ثلاثة اسابيع من اعتراف السلطات الرسمية بجمعيتها التي كان اسمها 'جمعية النساء الروسيات لمساعدة المجتمع'.
الثورة الصناعية
وبعد ثورة عام 1905 تغير الوضع في روسيا جذرياِ حيث منح كل الرجال لاول مرة حق التصويت والترشيح والغي التقسيم القديم: 'النشيطون' و'الخاملون' ومنح بيان 17 اكتوبر 1905 الحقوق السياسية لكل الرجال!! ولم تمنح المرأة حتى حق المواطنة وفق هذا البيان!! وبما ان المرأة امتلكت خبرة طويلة في العمل السياسي السري طوال قرن ونصف من الزمان، بدأت المرحلة الثانية من نضالها باتجاه حصولها على حقوقهاِ وتميزت هذه المرحلة بحسن التنظيم والهيكلةِ ولم تستمر هذه المرحلة طويلا (1905 ـ 1917)ِ وساعد نشاط المرأة بدء الثورة الصناعية في روسيا في هذه المرحلةِ ولوحظ تنوع واختلاف اساليب المنظمات النسائية مع الاتفاق على هدف واحد.
وكانت ابرز الحركات النسائية الروسية في هذه الفترة: 'جمعية النساء الروسيات لاصلاح المجتمع'، 'اتحاد مساواة النساء'، 'الحزب التقدمي النسائي'، 'الجامعة الروسية لانصاف المرأة'ِِ الخِ اما هدفها الاسمى فانحصر في حصول المرأة على حق المواطنةِ ورفعت هذه الحركات بيانا وقعته اكثر من 5 آلاف امرأة الى مجلس الدوما في 3 مايو 1906 وتبناه النائبان كيدرين وبيتراجيتسكي ليحصل اول مشروع نسائي روسي على حق المناقشة الرسمية في الدوماِ واعتبر هذا التاريخ بداية دخول المرأة الروسية في المضمار السياسي بالرغم من ان المشروع لم يمر من الدوما.
جمعيات اسلامية
وفي عام 1907 صدرت اول جريدة نسائية روسية باسم 'اتحاد النساء' وذيلت بعبارة 'لسان حال المجتمع النسائي الروسي' ترأست تحريرها ارياندا شابانوفاِ وفي نهاية شتاء 1907 افتتح في بطرسبورغ اول ناد نسائي كانت كل قيادات الحركات النسائية تجتمع فيه مرة في الاسبوعِ تبعه في الربيع افتتاح ناد نسائي اخر في موسكو وحضر حفل الافتتاح عدد من نواب الدوما وتم انتخاب فِ ماروزفا رئيسة له.
وتوالى افتتاح نوادي النساء في المدن الروسية الاخرى مثل راستوف واستراخان واورنبرغ وقازان وباكو حيث شكلت في المدينتين الاخيرتين جمعيات نسائية اسلامية نشيطة جدا في القوقاز.
مؤتمر بطرسبورغ
وتوج نشاط الحركات النسائية بعقد المؤتمر الموسع للنساء الروسيات وهو الاول في تاريخ هذه الحركات في الفترة 10 ـ 16 ديسمبر 1908 في بطرسبورغِ وشارك فيه اكثر من الف منتدبة ووفود مثلت كل الجمعيات والاحزاب النسائية في عموم الامبراطورية الروسيةِ وانتخبت المخضرمة وواحدة من مؤسسات اول جمعية نسائية رسمية آنا فيلوسوفا رئيسة للمؤتمر بالرغم من اعتراض الحركات النسوية الشابة.
وبعد اندلاع ثورة اكتوبر 1917، انتظرت الحركات النسائية الروسية ان ينفذ البلاشفة وعودهم التي كانوا يطلقوها طوال فترة التحضير للثورة.
وهكذا صدر اول قرار بهذا الشأن في 12 ديسمبر 1917 منح المرأة حق المواطنة الكاملة والحرية ومساواتها مع الرجل واعتبرت شريكة في العمل السياسي لا تفرق بشيء عن الرجل امام القانون.
اول اتحاد نسائي
وما يميز هذا القرار انه لم يوجه الى رموز الحركة النسوية الروسية، بل وجهه البلاشفة لممثلي نساء البروليتاريا كما اطلقوا على تنظيم نسائي شكل على عجل وضم الثورية الاولى وحبيبة فلاديمير لينين انيسة اوماند وزوجته ناديجدا كروبسكايا والكساندرا كولنتايا وكاتيا سامولوفا وغيرهماِ وكان ذلك بمثابة تشكيل اول اتحاد نسائي شيوعي رسمي اخذ على عاتقه طوال العهد السوفيتي قيادة الحركة النسائية التي تلاشت خلف معطف اللجنة المركزية والمكتب السياسي واصبحت مجرد هيكل تابع لهِ رغم ان انيسة ارماند رافقت لينين في منفاه وفي كل مراحل الثورة وخلال تنفيذها والكساندرا كولنتايا كانت شخصية ذات وزن في التاريخ السوفيتي.
وملاحظة سريعة للجدول التالي الذي يبين نسبة المرأة العاملة في الاتحاد السوفيتي بالمقارنة مع الرجل يمكن ابراز الدور العظيم الذي لعبته المرأة السوفيتية وخاصة في زمن الحرب العالمية الثانية في بناء البلادِ ـ (%).
ونسبة المرأة بالمقارنة مع الرجل حسب معطيات مطلع الثمانينات في المجال الصحي والطبي (84%) وفي التعليم (74%) والثقافي (70%) والاتصالات (68%) والتجارة (84%) والبلدية (76%) والصناعات الخفيفة (97%) والنسيج والخياطة (98%) والصناعات الكيميائية (34%).
وفي روسيا الراهنة لا يطرح حتى موضوع مشاركة المرأة في العمل السياسي لانه اصبح من مخلفات القرن الماضيِ واعلى مركز وصلته المرأة في السلطة التشريعية هو نائب رئيس الدوما وفي التنفيذية هناك امرأة بمنصب نائب رئيس الوزراء ناهيك عن الكثير من الوزيرات واللواتي يشغلن مناصب رفيعة في كل مؤسسات الدولةِ ويضج الدوما بالنساء من كل حدب وصوبِ وسجلت في روسيا لحد الان 93 منظمة وجمعية وحركة نسائية في 35 مدينة ومقاطعة روسية.