السبت، 4 يونيو 2011

روسيا تتخلى عن الإسلام

ساهم الاسلام في المحافظة على الاصالة الحضارية للمسلمين في القوقاز لمقاومة التوسع الروسي ولم تلق اوضاع القوقاز الاهتمام الكافي في مناطق حوضي الفولغا والاورال وسيبيريا وموسكو وبطرسبورغ. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي اصبح شمال القوقاز المنطقة الاسلامية الرئيسية في روسيا حيث تقطن هناك نسبة 15 في المائة من المسلمين في روسيا. علما ان التمسك بالتقاليد ونمط الحياة الاسلامية هناك يمكن مقارنته تماما بالوضع في آسيا الوسطىِ اذ بقي الاسلام هناك ليس بصفته عامل الحفاظ على الاصالة الحضارية، بل كان على مدى القرنين التاسع عشر والعشرين يمثل احد المكونات الهامة لايديولوجيا مقاومة التوسع الروسيِ ويعتبر ذلك لحد كبير سبب اقتراب شمال القوقاز من الوعي الاجتماعي في روسيا، وكذلك على صعيد النخبة السياسية، والسؤال حول ما اذا كان شمال القوقاز الاسلامي جزءا لا يتجزأ من روسيا الجديدة، يشبه الى حد ما السؤال حول مدى التعايش عضويا بين شعوب الجمهوريات السلافية وجمهوريات آسيا الوسطى في اطار دولة واحدة؟.
وهكذا فان صقع آسيا الوسطى الذي الحق بالامبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر وبقي ضمن حدودها فترة تزيد عن القرن، وهي فترة قصيرة في التاريخ، لن تحتل في كتابنا هذا حيزا كبيراِ ولكن سيكون من غير اللائق اهمال الاشارة الى العلاقات والصلات الكثيرة بين مسلمي روسيا واخوانهم في الدين في تركستانِ لا سيما وان سهوب كازاخستان والمناطق الاسلامية في حوض الفولغا تشكل مجازا وحدة اجتماعية وجغرافية موحدة يمكن ان نطلق عليها تسمية " الشمال الاسلامي ".

نموذج للتعايش

لقد كانت الدولة الروسية منذ فجر القرون الوسطى وحتى ايامنا هذه تشكل نموذجا للتعايش بين المناطق المتجاورة المسيحية والاسلامية، والتي يتم في اطارها، من جانب، التعايش المتبادل الاجتماعي والثقافي والحضاري بين الاقوام من الطائفتين، ومن جانب آخر، يتم الحفاظ على التقاليد الذاتية، الامر الذي يفرض في نهاية المطاف تمايزها عن بعضها البعض.
لكن روسيا القديمة في القرنين التاسع والعاشر كانت تجاور من ناحية الغرب البلدان المسيحية، وفي ناحية الجنوب والشرق تجاور الدول الاسلامية، ولهذا كانت تمثل اساسا الخيار بين الطائفتين في وضعها المستقل وقتذاك حيث لم تكن تحت سيطرة الغرب او الشرقِ وكان ابناء روسيا من عبدة الاوثان وينفتحون على اي نظام ديني آخر.

حسابات دبلوماسية

وقد بحث المؤرخون مرارا موضوع هذا الخيار والسبب الذي جعل الامير فلاديمير (حاكم روسيا القديمة) يبدي الاهتمام بالاسلام بالبداية، ومن ثم تراجع عنه. ويرى بعض المؤرخين ان خيار الامير كان بإرادة الله ، بينما يعتقد البعض الآخر بأن وراء ذلك الحسابات الدبلوماسية. ومعروف ان الامير فلاديمير كان في تلك الايام غارقا في التأملات في عاصمته كييف التي يتردد عليها المبعوثون من الدول الاسلامية القريبة مثل خوارزم وتافريدا. كما ان مبعوثي البلغار من ضفاف الكام (أجداد التتار الحاليين) عرضوا عليه قبول " دين العرب " وفي أغلب الظن ان طبع فلاديمير نفسه قد اثر في اتخاذه لخياره. وبينما كان الامير يصغي الى الاحاديث عن جنات النعيم والحور باهتمام ، كما يرويها المسلمون، فانه اتخذ موقفا سلبيا من الختان وحظر شرب الخمر.

وعموما فمن الصعب اليوم الجزم حول الاسباب الشخصية التي دعت فلاديمير الى رفض روسيا القديمة للاسلام.

علما ان ارادته الشخصية كانت ستلعب دورا حاسما كما يبدو في هذا الخيارِ ووجهة النظر هذه تتفق تماما مع رأي المؤرخ الروسي الشهير سيرجي سولوفيوف الذي كتب يقول " ان اختيار الدين يعتبر من خصائص التاريخ الروسي، فلم يواجه اي شعب اوروبي آخر ضرورة الاختيار بين الاديان ".

تغيير مسار التاريخ


وبعد التخلي عن خيار الاسلام في نهاية القرن العاشر، لم يفرض فيما بعد على روسيا اي احد، ولو ان هذا الاحتمال وارد بسبب وجود دول اسلامية مجاورة. ومعروف ان انتشار الاسلام كان يجري دائما لدى التماس مع مختلف انظمة الدولة. ويمكن القول ان رفض روسيا القديمة اعتناق الاسلام كان من الاحداث الهامة التي حددت تاريخ البشرية. فلو كانت روسيا مسلمة آنذاك لمارست دوراكبيرا في عهد الحملات الصليبية، ولاحتلت مكان الامبراطورية العثمانية، ولتغيرت خرائط ومصائر اوروبا وآسيا. كما ان توازن القوى الجيوبوليتيكية كان سيتغير مبدئيا عما هو عليه الآن، بالاضافة الى ذلك فان الاسلام بما يتميز به من التمسك بفكرة
التوحيد وبقدرته على التأثير في التقاليد الدينية والحضارية اكثر من المسيحية كان سيستطيع مقاومة " الزحف الشيوعي ". وما كان يقدر للثورة البلشفية ان تحدث في ظروف " روسيا المسلمة ".

الحضارة الروسية

وقد شاعت في اواخر الثمانينات ومطلع التسعينات في قرننا الافكار حول وجود نمط اوراسي (آسيوي ـ اوروبي) من التقاليد الحضارية بروسيا، قديما وحديثا وحول وجود نمط 'الحضارة الروسية' الذي يشكل مجالا لتفاعل الحضارتين المسيحية والاسلاميةِ واعتمدت هذه الافكار التي اصبحت بمثابة اساس لايديولوجيات كثيرة رسمية ومعارضة علما انها تلاحظ بأكبر قدر في طروحات دعاة اقامة المجتمع الاوراسي والدولة القوية وبعض انصار النزعة القومية. ولا نريد الاطالة في شرح منطق وحجج السياسيين والاعلاميين الذين يدافعون باخلاص او لاغراض شخصية نفعية عن هذه الافكار، لكننا نذكر فقط ان المقصود بالامر ليس تكوين توليفة من التقاليد الدينية المختلفة وظهور كيان مسيحي ـ اسلامي ما، بل مجرد تكوين " قيمة حسابية " في داخل الدولة الروسية من الجمع بين هذين الدينينِ ان التفاعل بين الاديان ضيق جدا ـ ناهيك عن اندماجها وهو ما لا يقبل به اي طرف ـ لان تكييف اي واحد منها سيتم على حساب الدين الآخر.